يبدو أن إخواني وزملائي في جريدة (الجزيرة) يرون صرفي عن الكتابة عن نساء الأندلس إلى رجالها، حيث حذفوا بعضا من الأبيات الشعرية التي كانت في مقالي يوم الجمعة الماضي اجتهاداً منهم أن ذلك لا يتوافق مع الذوق العام، ففات القراء الكرام ملاحة القصة، وكان بودي أنهم كتبوا نقطاً بدل الكلمات غير المستساغة ليهنأ القارئ بملاحة القصة إن كان بها ملاحة. ومع هذا فأنا أحترم اجتهادهم مثلما يحترم الآخرون اجتهادي.
وها أنذا امتثل وأكتب عن المعتمد بن عباد بدلا من ولادة ونزهوت وحفصة وغيرهن.
مر المعتمد بن عباد ليلة مع وزيره ابن عمّار بباب شيخ كثير التهكم والتنذير، يمزج ذلك بانحراف يُضْحك الثكلى، فقال لابن عمار، تعال نضرب على هذا الشيخ الساقط بابه حتى نضحك معه، فضربا عليه الباب، فقال: مَنْ هذا؟ فقال ابن عباد: إنسان يرغب أن تَقِدَ له هذه الفتيلة، فقال: والله لو ضرب ابنُ عباد بابي في هذا الوقت ما فتحته له، فقال: فإني ابنُ عباد، ف قال: مصفوع ألف صفعة، فضحك ابن عباد حتى سقط إلى الأرض، وقال لوزيره: امض بنا قبل أن يتعدى الصفع من القول إلى الفعل، فهذا شيخ ركيك. ولمّا كان من غد تلك الليلة وجّه له ألفَ درهم، وقال لموصلها: قل له هذه حقُّ الألف صفعة التي كانت البارحة.
وكان من زمان المعتمد السارق المشهور بالبازي الأشهب، وكان لهُ في السرقة كل غريبة، وكان مسلطاً على أهل البادية، وبلغ من سرقته أنه سرق وهو مصلوب، لأن ابن عباد أمر بصلبه على ممرّ أهل البادية لينظروا إليه، فبينما هو على خشبته على تلك الحال إذ جاءت إليه زوجته وبناته، وجَعَلْن يبكين حوله ويقلن: لمن تتركنا نضيع بعدك؟ وإذا ببدوي على بغل وتحته حمل ثياب وأسباب، فصاح عليه: يا سيدي، انظر في أي حالة أنا، ولي عندك حاجة فيها فائدة لي ولك؛ قال: وما هي؟ قال: انظر إلى تلك البئر لما أرهقني الشرط رميت فيها مائة دينار، فعسى تحتال في إخراجها، وهذه زوجتي وبناتي يُمسكن بَغْلك خلالَ ما تخرجها، فعمد البدوي إلى حَبْل ودلى نفسه في البئر بعدما اتفق معه على أن يأخذ النصف منها، فلمّا حصل أسفل البئر قطعت زوجة السارق الحبلَ، وبقي حائراً يصيح، وأخذت ما كان على البغل مع بناتها، وقرَّتْ به، وكان ذلك في شدّة حرّ، وما سبّب الله شخصاً يغيثه إلا وقد غِبْنَ عن العين وخلصن، فتحيَّل ذلك الشخص مع غيره على إخراجه، وسألوه عن حاله، فقال: هذا الفاعل الصانع احتال عليَّ حتى مضت زوجته وبناته بثيابي وأسبابي، ورُفِعت هذه القصة إلى ابن عباد، فتعجب منها، وأمر بإحضار البازي الأشهب، وقال له: كيف فعلت هذا مع أنك في قبضة الهلكة؟ فقال له: يا سيدي لو علمت قدر لدّتي في السرقة خليت ملكك واشتغلت بها، فلعنه وضحك منه، ثم قال له: إن سَرَّحْتك وأحسنت إليك وأجريت عليك رزقاً يقلك أتتوب من هذه الصنعة الذميمة؟ فقال: يا مولاي كيف لا أقبل التوبة وهي تخلصني من القتل؟ فعاهده وقدّمه على رجال أنجادٍ، وصار في ملة حراس أحواز المدينة.