الصم فئة اجتماعية مهمة، وقدر الله لأفرادها أن يحرموا من إحدى نعم الله الغالية ألا وهي نعمة السمع، وهذا الأمر ليس بالسهل، بل هو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وكثيراً يقترن الصمم بعدم القدرة على الكلام، وهي ابتلاءات تحتاج إلى الصبر والإيمان، وتكون الاستعاضة عن فقد تلك الحواس هي استخدام لغة الإشارة، وهي لغة لها قواسم مشتركة عالمياً، رغم اختلاف اللغات واللهجات بين الدول والشعوب، حيث نجد أن لغة الإشارة في كل بلد لها خصائصها، وارتباطها بوجدان كل شعب، وبمكوناته الثقافية والفكرية، لذا تجعل الصم يتخاطبون بسهولة مع بعضهم من مختلف الأجناس، بطريقة أسهل من تخاطب غير الصم الذين تقف اللغات حاجزاً بينهم. وقد أقر المؤتمر الحادي عشر العالمي للصم لغة الإشارة كلغة رسمية، شأنها شأن اللغة الأم، كما أقر حق الصم في التعليم المبكر للغة الإشارة، وتلقيهم العلوم المدرسية والأكاديمية بلغة الإشارة الأم، وهذه المقررات تساعد على انتشار لغة الإشارة، وتتيح إمكانية نشر أبجدياتها بين العامة، وهي لغة تعتمد غالباً على الإيماءات والحركات والإيقاع ولغة الجسد، وهذا ما يوجد السمات المشتركة بين لغات الإشارة العالمية، ويكسبها نوعاً من الإمتاع والجاذبية، ليس لدى المتحاورين وحسب، بل أيضاً لدى من يتابعون الحوار بالإشارة. الصم يعانون من أشياء أساسية، وهي أن يقضوا حوائجهم من خلال التخاطب مع المجتمع، وهم ليسوا مسؤولين عن إعاقتهم السمعية التي ليست لديهم يد فيها، ولكي يتمكنوا من ذلك لا بد أن يعرف أفراد المجتمع كيفية التخاطب مع هذه الفئة العزيزة الغالية على قلوبالجميع، وكثيراً ما يكون أحد الصم في وضع يحتاج فيه إلى من يتفهمه، أو من يشرح له وضعه، أو من يدله على مكان ما، سواء كان سوقاً أو شارعاً أو حتى أحد المرافق الصحية، وهذه من ضروريات الحياة، ولكن للأسف يقابل عدداً من الناس يجتهدون في (توليف) إشارات لإيصاله المعلومة المفيدة دون جدوى، وهي اجتهادات بدون قواعد أو أسس، لذا نحتاج إلى نشر ثقافة لغة الإشارة بين العامة، وتوحيد قواعدها وأبجدياتها عالمياً، لتكسر حاجز اللغات، ولتفي بتلبية احتياجات هذه الفئة، وهي ليست عالة على أحد، بل نجد الصم من أكثر فئات المجتمع إنتاجاً، وتفوقاً في مجال أعمالهم، لعدم انشغالهم بالقيل والقال، ولتركيزهم على حاسة النظر التي تساعدهم في إتقان أعمالهم، كما نجد غالبيتهم من الناجحين في مجالات تحتاج إلى التميز والذكاء والموهبة، فضلاً عن أمانتهم وصدقهم وتجويدهم لأعمالهم. الصم يحتاجون إلى فهم لغتهم أحياناً وليس على الدوام، لأنهم في الغالب يتواجدون على شكل جماعات من ذات الفئة حسب ظروف العمل أو الدراسة أو مناطق السكن، ومن خلال بعض التجارب، ألاحظ أن اللغة المشتركة بينهم وبين عامة الناس شبه مفقودة، خصوصاً مع بعض من يمثلون الجهات الرسمية من أجهزة مرور، ووحدات صحية، ومكاتب شركات الطيران أو النقل البري، وغيرها من الواجهات التي يحتاجون إلى التخاطب معها، وإذا أضفنا إلى ذلك، ما قد يحدث لهم -كغيرهم من شرائح المجتمع- من حوادث وطوارئ، فإننا ندرك أهمية معرفة العامة أبجديات هذه اللغة، حتى يتسنى لهم التعاون مع هذه الفئة وتقديم ما يحتاجونه من خدمات ومعلومات دون عناء. هذا يتطلب إيجاد معاهد متخصصة للترجمة من هذه اللغة وإليها، لتسهيل التواصل بينها وبين اللغات واللهجات الأخرى، وكذلك إعداد برامج لأهالي الصم لتتم مخاطبتهم مثل مخاطبة من يسمعون تماماً، وإعداد دراسات وبحوث عن لغة الإشارة ونشرها وتوزيعها، وتأهيل المترجمين من اللغات الأم إلى لغة الإشارة، وتطوير برامج تدعيم هذه اللغة من خلال تطوير تقنيات الترجمة وأجهزتها السمعية وضرورة إدخال لغة الإشارة في وسائل الإعلام كافة، وتفعيل دور أندية الصم ومنظماتهم بما يخدم لغة الإشارة، كما أن دمج الصم مع نظرائهم السامعين في مؤسسات التعليم ومنظمات العمل يساعد على إثراء هذه اللغة وكسبها مساحات أرحب، فضلاً عن تطوير الصم لثقافتهم الخاصة التي تسهم في تطوير لغتهم وتفاعلها، بما يزيلبعض العوائق الخاصة بالتحاور.

لكي تنتشر ثقافة لغة الإشارة بين العامة بما يخدم فئة الصم، لا بد من دمج أبجدياتها ضمن المناهج الدراسية، وإعطائها مساحة مقدرة في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وتمكينها من الحضور على الموائد الثقافية والرياضية والفنية والمسرحية والفنية، وجعلها لغة رديفة لخطباء المساجد، ومقدمي المحاضرات والندوات المباشرة، مثلما يحدث على شاشات بعض الفضائيات، وتدعيم ذلك بالبحوث والدراسات اللازمة، فضلاً عن عدم التغافل عن هذه الفئة حين تنظيم الحملات التوعوية وغيرها من الفعاليات الجماهيرية. حينما تنتشر لغة الإشارة، ويتعلم أبجدياتها عامة الناس، يفرح الصم، ويندمجون أكثر، ويشعرون أنهم في تفاعل مع بقية أفراد المجتمع، ويتنامى إسهامهم لخدمة الوطن والمجتمع وكذلك الارتقاء بدورهم الاجتماعي وبمواهبهم وإبداعاتهم، وهذا هدف رفيع فيه مكسب لهم وللوطن.