التركيبة الاجتماعية التي كانت تقوم في الجزيرة العربية لحقب طويلة، تمثل عدداً من التحالفات البشرية تجمعها الروابط العشائرية والقبلية، ويتخللها بعض من التجمعات الزراعية البسيطة، لكون النمط الصحراوي القبلي كان شرطاً وجودياً يضمن الحماية والاستقرار للأفراد تحت لواء الجماعة في ظل محيط بيئي شرس ومجدب.وتحت هذه الخيمة يكون الآخر دوماً هو الغريب المغاير والمنافس على مرابع الرعي ومنابع الماء, فالآخر هو مرادف - للفناء، وما من سبيل لخلق جسور من التواصل أو الحوار، لأن وجوده يتقاطع مع وجودي، وتاريخ المنطقة يحيلنا دوماً إلى مشاهد دموية تعبر عن طبيعة العلاقات البشرية في تلك الأزمنة, فعدا بعض التحالفات المؤقتة سرعان ما يعيد النمط الصحراوي استيلاد شروطه من جديد.
وعلى مستوى التجربة المحلية، تم الانتقال والتوطين من البداية بصورة سريعة ومباغتة وبشكل انقطع به التواتر التاريخي ما بين الصحراوي والمدني، فبقي الصحراوي يحمل قوانينه الصحراوية بين أعطافه وهو بداخل أبنية المدينة.
ومن هنا بالتحديد تكون ريادة مشروع (الحوار الوطني) محلياً، كونه البصمة الأهم في مشروع الدولة السعودية في العصر الحديث، حيث من هناك بالتحديد تعد التربة المحلية لاستزراع بذور الاستقرار المدني وشروط المدينة الحديثة، التي على رأسها التعايش والقبول بالاختلاف، وعدم الاسترابة من الغرباء جغرافياً وفكرياً. ومع اقتراب اللقاء الختامي السابع للحوار الوطني، نجده الآن محاصراً بعدد من علامات الاستفهام والأسئلة، التي من أبرزها أن التوصيات التي تخرج عن لقاءاته لا تجد حيزاً على مستوى التنفيذ، وتنقطع عن الجهات التشريعية أيضاً.
أيضاً يستفهم البعض عن سبب انحسار الوهج وبريق المتابعة الإعلامية، الذي رافق جلساته الأولى نتيجة لكون الحوار لم يعد يلامس الأماكن الحساسة والمكهربة والقضايا المسكوت عنها.
ومن هنا بالتحديد لابد أن نعي بأن هذا المشروع الوطني الريادي بالتأكيد ليس جهة تشريعية أو تنفيذية، أيضاً ليس من مهمته الاستجابة لشروط الآلة الإعلامية الساعية دوماً للبريق والطبول وفلاشات الضوء.
وليكتف مشروع الحوار الوطني بطاولته المتسعة المستقطبة لجميع ألوان الطيف، وسقوفه الحوارية العالية، فهي بحد ذاتها نقطة ضوء في حندس ثقافة صحراوية متجذرة تخشى الغرباء وترفض المختلفين.