قالت السائلة: لقد سمعتُ في مجلسٍ أدبي بيتاً من شعر الخنساء رضي الله عنها تقول فيه: |
فوالله لا أنساك ما هبَّت الصَّبا |
بكاءً وحزناً مَحْضَري ومَسيري |
ولأنّ البيت أعجبني، فقد رجعت إلى ديوان الخنساء المطبوع، فلم أجد لها قصيدة تحمل هذا البيت، وسألت عنه بعض الأدباء فقالوا: قد يكون هذا البيت للخنساء ولكنّه لم يقع في يد جامع الديوان ودارسه، وقد يكون منسوباً للخنساء، فهو بيتٌ باكٍ حزين، وهذا هو منهج الخنساء في شعرها الباكي على أخيها صخر. |
قلت للسائلة: الذي أعرفه من خلال الدراسة، أنّ قائلة هذا البيت هي صفية بنت عبدالمطلب (عمَّة النبي صلى الله عليه وسلم) في رثاء أخيها البطل الشهيد حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، بعد أن قُتل في أُحد ومُثِّل بجسده الطاهر بصورة شنيعة أوردت كتب السيرة وصفاً له. |
إنّه بيتٌ من قصيدة باكية قالتها صفية رضي الله عنها حينما بلغها مقتل أخيها حمزة، ووصف لها ما حصل من التمثيل به، وقد كان مقتله - رضي الله عنه - حدثاً كبيراً مؤثِّراً في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكيف بأُخته صفية التي كانت ترى فيه مثالاً للأخ الوفي، والمسلم التقي، والبطل القويّ .. تقول صفيَّة: |
اسائلة أصحابَ أُحْدٍ مخافةً |
بنات أبي من أَعْجَمٍ وخَبيرِ |
فقال الخبير: إن حَمزَةَ قد ثوى |
وزير رسول الله خَيْرَ وزيرِ |
دعاه إله الحقِّ ذو العرش دعوةً |
إلى جَنَّة يحيا بها وسرور |
فذلك ما كنُّا نُرجِّي ونرتجي |
لحمزةَ يوم الحشر خيرَ مصير |
فوالله لا أنساك ما هبَّت الصَّبا |
بكاءً وحزناً، مَحْضَري ومَسيري |
على أسد الله الذي كان مِدْرَها |
يذود عن الإسلام كلَّ كفور |
فيا ليت شِلْوي عند ذاك وأَعْظُمي |
لدى أَضْبُعٍ تعتادني ونُسور |
أقول وقد أعلى النعيَّ عَشِيرَتي |
جزى الله خيراً من أخٍ ونصير |
وهي أبيات محمَّلة بالعاطفة الجيَّاشة وبمشاعر الحزن والأسى كما نرى، ومشرقة بما فيها من التسليم لقضاء الله، والرِّضا بما كتب، والسعادة بأنّه قد نال منازل الشهداء - إن شاء الله - ووصل - بفضل الله - كما هو مأمول إلى جنةٍ يحيا بها وسرور وسعادة لا تُحَدُّ. |
وصفيَّة هذه - رضي الله عنها - هي التي كانت في الحصن مع النساء في غزوة الأحزاب، فلما رأت يهودياً يُطيف بالحصن نزلت إليه بعمود خيمةٍ وضربته حتى مات، إنّها مثال للمرأة المسلمة القوية بإيمانها الراسخ كالجبال الراسيات رضي الله عنها. |
|
نخوض محيطات المآسي بهمَّةٍ |
زوارقنا فيها دعاءٌ وأذكار |
www.awfaz.com |
|