Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/03/2008 G Issue 12962
الثلاثاء 17 ربيع الأول 1429   العدد  12962
مؤتمر دولي للسلام لإنقاذ ماء وجه التسوية السلمية
أ. د. إبراهيم أبراش

بعدحوالي ثلاثة عقود من مقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات بأن 99% من أوراق حل الصراع في الشرق الأوسط هي بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد عقدين من بدء الحوار بين منظمة التحرير الفلسطينية وواشنطن، وبعد خمسة عشر عاماً من توقيع اتفاقية أوسلو التي رعتها ومهدت لها واشنطن، وبعد تعاقب ثلاثة رؤساء أمريكيين وتعاقب الحزبين الرئيسين على الإدارة الأمريكية، وبعد عديد من الاتفاقات والتفاهمات والخطط السياسية والأمنية التي وضعتها وأشرفت عليها واشنطن.. آن الأوان لإعادة النظر ليس بعملية السلام؛ فالسلام مطلب إنساني لا يمكن التخلي عنه، بل إعادة النظر بالهيمنة الأمريكية على العملية السلمية، وإعادة النظر بمقولة إن واشنطن يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً بين العرب والإسرائيليين.

التوجُّه نحو تسوية سلمية للصراع في المنطقة تعتمد آلية المفاوضات، ليس هو الخطأ، وخصوصاً من طرف الفلسطينيين، فبعد الانهيارات الكبرى: انهيار المعسكر الاشتراكي وانهيار النظام الإقليمي العربي وقبلهما خروج مصر من ساحة المواجهة بعقدها لاتفاقية كامب ديفيد، وإخراج منظمة التحرير من لبنان، وقبلها أُخرجت من الأردن.. الخطأ يكمن في شروط التسوية وفي آلية المفاوضات من جانب، وبغياب استراتيجية فلسطينية واحدة وموحدة من جانب ثان، وباعتماد واشنطن كمرجعية واحدة ووحيدة للتسوية بدلاً من المرجعية الدولية والوطنية من جانب ثالث، هذا ناهيك عن تراجع إسرائيل عن فكرة التسوية منذ مقتل رابين عام 1996.

لا دولة أو شعب، حتى الشعوب الخاضعة للاحتلال، ترفض مبدأ السلام أو فكرة التسوية السلمية كخيار استراتيجي أو كخيار تكتيكي ومرحلي، ولا تناقض هنا بين القول بالسلام من جانب وممارسة حق الدفاع عن النفس أو النضال من أجل تطبيق مبدأ تقرير المصير من جانب آخر، ولكنه خلل كبير أن يراهن الشعب المطالب بالسلام على طرف خارجي ليعيد له حقوقه أو يحقق له السلام الذي يريد، وخلل كبير أن ينشد شعب خاضع للاحتلال السلام دون أن يكون مدعوماً بإرادة شعبية تؤمن بالسلام وتدعم المفاوض على طاولة المفاوضات، وهذا هو حال المفاوض الفلسطيني عندما رهن قضيته الوطنية بحسن نية للولايات المتحدة التي هي الحليف الاستراتيجي للخصم، وعندما ذهب ليفاوض في ظل غياب استراتيجية عمل وطني واضحة.

اقتراح وزير الخارجية الروسي لافروف بعقد مؤتمر دولي للسلام جاء من الطرف المناسب، وفي الوقت المناسب؛ فأول من دعا لعقد مؤتمر دولي للسلام هو الاتحاد السوفييتي في بداية السبعينيات، ومبادرة بريجنيف آنذاك وبالرغم من عدم تصيرها مؤتمراً دولياً، إلا أنها حركت فكرة التسوية السلمية، وروسيا الاتحادية التي ورثت الاتحاد السوفييتي هي أحد أطراف اللجنة الرباعية، وهي اليوم تتطلع لأن يكون لها دور في السياسة الدولية وفي الشرق الأوسط خصوصا. لا شك أن روسيا الاتحادية ليس في نفس ثقل الولايات المتحدة، وقوة تأثيرها على الأحداث أقل، وندرك أن ما يحرك موسكو هو التطلع لاستعادة مكانة دولية فقدتها.. إلا أن فشل المفاوضات ودخولها مرحلة العبثية يحتم البحث عن مداخل أخرى للتعامل مع القضية الوطنية دولياً، وتوظيف الكم الكبير من القرارات الدولية والتأييد الدولي لصالحنا. ومع ذلك يجب أن نفكر بجدية وقلق بالسؤال: كيف يمكن الذهاب لمؤتمر دولي للسلام قبل الإعلان عن فشل مبادرات السلام الأمريكية والرباعية وما ترتب عليها من حقائق على الأرض كوجود سلطة ومؤسسات وتفاهمات أمنية واتفاقات اقتصادية.. إلخ؟ هل التسوية القادمة ستُبنى على ما تم إنجازه أم ستؤسس لشيء جديد؟ الاهتمام بالمبادرة الروسية يستمد من كونها تقوم على فكرة مؤتمر دولي للسلام، وهو ما لم يحدث قبل ذلك؛ حيث كانت كل المؤتمرات واللقاءات تفتقر إلى الصفة الدولية، وبالتالي لم تكن مبنية على قرارات الشرعية الدولية؛ بل محكومة بالإرادة الإسرائيلية أو بمرجعية أمريكية مبهمة ومراوغة. أن يكون المؤتمر دولياً معناه عودة الأمور إلى نصابها وأصولها الأولى في قضية شعب خاضع للاحتلال في مواجهة دولة احتلال، وما يبرر ويضفي على المبادرة الروسية قيمة ومعنى هو وصول المحاولات الأمريكية لصناعة تسوية تاريخية في الشرق الأوسط لطريق مسدود -هذا مع افتراض أن واشنطن جادة بالتوصيل للتسوية العادلة -ولأن العام 2008م الذي يراهن الرئيس بوش أن يكون عام سلام يمر بسرعة، ولا توجد مؤشرات على قرب قيام الدولة الفلسطينية المنشودة أو على الأقل التوصل لتفاهمات مُرضية للطرفين، ولأن نهاية عهد الرئيس بوش تعني انهيار كل العملية السلمية، ولأن السياسة لا تقبل الفراغ وخصوصا السياسة الشرق أوسطية.. لكل ذلك فإن الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام جاءت في وقتها، وهي فرصة على كل محبي السلام والحريصين على الاستقرار بالمنطقة، ولكن الطرف الفلسطيني هو الذي يجب أن يكون أكثر حرصاً على اقتناص هذه الفرصة والاستعداد الجيد لها.

لا يكفي القول بأن واشنطن وتل أبيب لا تريدان السلام العادل أو تنفيذ الاتفاقات الموقعة، ولا يكفي البكاء على الفرص الضائعة، فقد يكون للفلسطينيين والعرب دور في إضاعتها، ولا يكفي أيضاً مناشدة العالم التدخل لإنقاذ عملية السلام ووضع حد للإرهاب الصهيوني بحق شعبنا، بل يجب أن نكون واضحين فيما نريده كفلسطينيين، فإن كنا نريد سلاماً وتسوية سلمية يجب توضيح مفهومنا للسلام، وأن نتفق جميعاً على استراتيجية السلام ومرجعياته، والأهم من ذلك أن يكون هناك تفويض واضح وشامل للقيادة الفلسطينية التي ستمثل الفلسطينيين في مؤتمر السلام القادم أو أية تسوية قادمة. ولنفترض أنه تمت إزالة التحفظ الإسرائيلي والأمريكي على فكرة المؤتمر الدولي، ووافقت كل الأطراف الإقليمية والدولية على الذهاب لمؤتمر دولي للسلام، فمن هو الطرف الفلسطيني الذي سيمثل الشعب الفلسطيني في هذا المؤتمر؟ هل هو منظمة التحرير أم حركة حماس -مع التذكير أن موسكو أعلنت أنها تعترف بحركة حماس وستتفاوض معها، ودعت إسرائيل إلى ذلك؟ هل هي حكومة الضفة أم حكومة غزة؟ وما هي القضية الفلسطينية التي سيتم بحثها بعد كل ما جرى منذ توقيع أوسلو إلى اليوم، وخصوصا بعد أحداث يونيو 2007؟ هل سيتم بحث الحصار على قطاع غزة أم الخلاف بين حماس وفتح أم الفصل بين غزة والضفة؟ كيف يمكن لمؤتمر دولي للسلام أن ينجح فيما سلطة وحكومة في غزة تزعم أنها الشرعية دون سواها، ولا تعترف بمن يفترض أن يكون شريكاً للسلام (إسرائيل)، ولا تعترف بالشرعية الدولية، ولا بالاتفاقات الموقعة؟ وسلطة وحكومة في الضفة لا سلطة لها على قطاع غزة ولا تملك القدرة على توجيه الأحداث في القطاع أو إقناع الحكومة القائمة هناك بالالتزام بما يتم التوصل إليه من تفاهمات دولية؟ كيف يمكن لنتائج يتمخض عنها المؤتمر أن تجد طريقاً للتنفيذ في ظل الانقسام الحاصل في الصف الفلسطيني؟.

إن كان هذا القول يصدق على المؤتمر الدولي للسلام فهو ينسحب أيضاً على أي تحرك دولي لتسوية الصراع في المنطقة. الخلافات الفلسطينية الداخلية ستعيق أي تقدم للعملية السلمية، وبالتالي فإن التوصل لتهدئة ومصالحة وطنية هو شرط نجاح أي تسوية سياسية قادمة، أو العودة إلى خيار المقاومة إن فُقد الأمل نهائياً بتسوية سلمية. إن أردناها تسوية وسلاماً أم أردناها مقاومة فالوحدة الوطنية والاتفاق على استراتيجية عمل وطني وثوابت متفق عليها هما المدخل لإنقاذ القضية الوطنية من المنزلق الخطر الذي تهوي إليه.



ibrahem_ibrach@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد