يقولون إن الصومال الذي ينزف دماً متحف قبائل. ولأنه كذلك، فالصراع السياسي والدموي فيه هو بشكل أو بآخر يعكس صراعاً (قبلياً) على النفوذ والأرض والموارد. أمراء الحرب في الصومال هم زعماء القبائل، وهم من يمثلون القوى المتحاربة في مؤتمرات السلام أيضاً، وإن حاولت بعض الأحزاب والحركات التسمي بمسميات تتجاوز القبيلة. اتحاد (المحاكم الإسلامية) - مثلاً - يتكون من عشائر قبيلة (هوية) التي ينتمي إليها أمراء الحرب المهزومون. ولأن القبيلة هي التي ترسم خارطة الصراع السياسي في الصومال، ولأن اتفاق القبائل دائماً ما يبقى هشاً وقابلاً للسقوط لأتفه الأسباب، فإن المراقبين يرون أن الحكومة الحالية لا تمتلك فرصاً قوية للنجاح والاستمرار، رغم الدعم والمباركة الدولية.
في أفغانستان- كذلك - الصراع ذو جذور (قبلية) وإن تلبّس بلباس الدين والحركية الإسلامية الجهادية. فالقتال الدموي الذي تشهده هذه الدولة الغارقة في الدم والحروب والتصفيات هو في بنيته التحتية صراع على النفوذ والمال وزراعة المخدرات وقيادة الدولة بين قبائل الباشتون والطاجيك والأوزبك، وهي الأعراق القبلية المكونة لأغلبية الشعب الأفغاني. حتى أيام دويلة (طالبان) المقبورة كانت في حقيقتها تشكيلاً قبلياً صرفاً؛ ودع عنك الشعارات الإسلامية (التظليلية) التي كان يرفعها أساطينها. فمنذ أن خرج السوفييت من أفغانستان أصبح الصراع على غنائم الحرب، ومن هي (القبيلة) التي ستستأثر بالسلطة والثروة بعد رحيل الغزاة. ولأن القوة هي أس الصراع القبلي، تحول التنافس إلى القتال والذبح والتصفيات؛ لذلك لم تفلح حتى أعظم قوى الأرض مجتمعة في إعادة الأمن والاستقرار إلى هذه الدولة، حتى بعد أن تدخلت القوى العظمى، وحاولت أن تفرض الدولة المركزية، غير القبلية على المشهد السياسي الأفغاني.
العراق بعد سقوط صدام ومعه حزب البعث، عاد إلى (القبيلة) و (الطائفة)، وأصبح هذان المكونان اليوم يوجهان بوصلة الصراع السياسي في بلاد الرافدين. ولعل القبيلة في العراق هي حجر الزاوية في الصراع أكثر من الطوائف كما يؤكد المتابعون للشأن العراقي.
وكذلك في اليمن؛ حيث تمسك قبيلتا حاشد وبكيل أكبر القبائل في الشطر الشمالي من اليمن بخيوط التجاذبات السياسية، ويعتمد الاستقرار في اليمن على تصارع أو تصالح القبائل، كما أن القبائل هي التي تحدد توجهات الدولة واختياراتها السياسية.
ولأن المدنية لم تتجذر في المجتمعات الإسلامية تحولت القبائل إلى أحزاب. وأصبح شيخ القبيلة هو رئيس الحزب، يورث منصبه الحزبي لأبنائه وأقربائه. فالمؤسسة القبلية تحولت إلى حزب عرقي يصون مصالح القبيلة، ويحاول أن يفرض نفوذ أبناء القبيلة في لعبة توزيع الثروة والنفوذ.
خطورة القبيلة عندما تتحول إلى حزب سياسي تكمن في أنها تخل أول ما تخل بسلم الأولويات الانتمائية، حيث يتراجع الانتماء والولاء (للوطن) ليصبح الولاء للقبيلة (ككيان) له الأولوية المطلقة؛ وبالتالي فإن كل من هو خارج هذا الانتماء القبلي يصبح في المفهوم السياسي (آخراً) لا علاقة له ب(الأنا) الجمعي الذي هو أساس الدولة المركزية الحديثة؛ هذا على وجه التحديد بمثابة الصاعق الذي قد يفجر هذه المجتمعات.