Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/03/2008 G Issue 12955
الثلاثاء 10 ربيع الأول 1429   العدد  12955
يا لله من فضلك!!
عبدالله إبراهيم حمد البريدي

أبو إبراهيم رجل شارف على الأربعين، قاتل قتالاً شرساً ليمنع دخول القنوات الفضائية إلى بيته، شأنه شأن غيره ممن يخافون من سموم كثير منها، المدسوس في (عسلها) القليل!

ولكنه مع كثرة الضغوط من هنا وهناك، ولعل من أبرزها حب العربي للخبر المدعوم بالصور (الحية) لان ورضخ للأمر الواقع، وأدخل بعض القنوات المتخصصة بالرياضة وأخرى بالأخبار السياسية وعددها لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وبدأ بالتسمر عند القنوات الإخبارية، بينما أوقف الرياضية على من يأتي إليه من الأصدقاء من ذوي الميول الرياضية.

فكان كثيراً ما يردد: وعند (....) الخبر اليقين، ويستبدل بجهينة اسم قناته الإخبارية المتميزة في نظره وقتها!

وكانت الجملة الأخرى التي لا تفارق لسانه عند تقييم القنوات من حيث سرعة نقل الخبر المدعوم بالصور الحية: يا الله من فضلك، نتابع أخبار العالم وكأننا في موقع الحدث، لا خلا ولا عدم، ووصل الأمر إلى الدعاء لها!!

ولكن في السنوات القليلة الماضية وبعد تسارع الأحداث، وانتشار أحداث العنف في كل أنحاء العالم، وتسابق القنوات الفضائية في تغطية هذه الأحداث، ودعم كل خبر بكل صورة تقع عين المراسل أو المصور عليها دون النظر إليها من حيث القبول وعدم القبول من لدن المشاهدين، كصور جثث ممزقة أو مشوهة، وصور دماء متناثرة هنا وهناك.

ومما زاد الطين بلة حال المذيعين والمذيعات في هذه القنوات أثناء قراءة الأخبار، فالأخبار ما بين (قتل)، و(انفجر)، ولقي عدد كذا مصرعهم، وهلم جرا، والمذيع أو المذيعة يبتسمان بكل برود!!

فبدأ الضجر والاشمئزاز يدبان في نفسه، وبدأ يمل من كثرة هذه الأخبار التي لا يفوت صغيرها وكبيرها على هذه القنوات.

ولا تخلو هذه القنوات من متابعة بين فينة وأخرى لمن يسمون نجوم ومشاهير العالم، وهذه المتابعة تتخللها صور عن هؤلاء المشاهير كثيراً ما تحتوي على لقطات تخدش الحياء وغير لائقة للأسر المحافظة!

فأصبح ما كان بالأمس تميزاً وإيجابياً قمة السلبية والسوء اليوم، وما كان محبوباً ومرغوباً بالأمس مكروهاً اليوم.

وذات يوم حصل ما لم يكن بالحسبان، إذ كان أبو إبراهيم يتناول الغداء مع الأسرة، وكان من بين أفراد الأسرة (ليان) التي أدمنت سماع ومشاهدة الأخبار مع الوالد، وكانت الأخبار قد بدأت، وفجأة صرخت ليان: ما هذا؟!

كيف نتغدى يا بابا؟

ورفع صاحبكم أبو إبراهيم رأسه ليشاهد صورة في التلفاز لجثة مشوهة ملقاة في الشارع في مدينة تعاني من اضطرابات بإحدى الدول.

فسارع بإغلاق التلفاز، وهدأ من روع ابنته بصعوبة، إلى أن أكمل الغداء.

وبعدها عاهد نفسه ألا يشاهد أخبار هذه القنوات، وأن تقتصر متابعته للأخبار على القناة المحلية، وبدأ فعلياً بمتابعة أخبار قناة الوطن العزيز وحدها.

وأطلق يوماً ما تنهيدة مصحوبة بجملة مخالفة لما قال قبل سنوات.

يا الله من فضلك، (يا زين) تلفزيوننا، ويا زين الركادة والعقل والثقل.

* سؤال:

أين الحرفية والمهنية في قنوات إخبارية، مذيعوها ومذيعاتها يتنافسون في لبس الأزياء، وفي كِبر الابتسامات أثناء أخبار كلها فجائع ومآسٍ لشعوب الأرض قاطبة؟



al-boraidi@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد