Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/03/2008 G Issue 12955
الثلاثاء 10 ربيع الأول 1429   العدد  12955
الكفاءات والعقول العربية
د. أحمد بن صالح العثيم

تعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية إلى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومي وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة، ولقد أصبحت ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الخارج خاصة الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية تشكل هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء، وقدرت التقارير أن تلك الهجرة التي تكاد لا تتوقف تتسبب في خسائر مالية للدول العربية تتجاوز 200 مليار دولار.

ولبيان مدى حجم الظاهرة الاستعانة ببعض المؤشرات حيث نجد أن ما لا يقل عن 450 ألفاً من أفضل العقول العربية تمثل الإحصاءات الأولية لعدد العقول العربية المهاجرة، كما أن 45% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم وأن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب، وهناك نحو 75% من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل إلى ثلاث دول تحديداً هي أمريكا وبريطانيا وكندا.

ويساهم الوطن العربي بـ31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية إلى الغرب بنحو 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة.

وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 39% تليها كندا 3، 13% ثم إسبانيا بنسبة 1.5%.. وتتضمن هذه الأرقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الدقيقة والإستراتيجية مثل الجراحات النادرة، والطب النووي والعلاج بالإشعاع والهندسة الإلكترونية والمايكرو إلكترونية، والهندسة النووية، وعلوم الليزر، وتكنولوجيا الأنسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثية، كل ذلك بالإضافة إلى التخصصات العلمية المتميزة في العلوم الإنسانية كاقتصاديات السوق والعلاقات الدولية.

وهنا يمكننا القول إن المجتمعات العربية أصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية العربية وليست جاذبة أو حاضنة لهذه الكفاءات، وهنا يأتي التساؤل حول ماهي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟؟!! هذا ما سنوضحه في النقاط التالية:

هناك أسباب مشتركة وراء الهجرات السكانية سواء أكانت داخلية أو خارجية أهمها الفقر، حيث لا يقتصر على مفهوم واحد ولكنه يمتد ليشمل فقر الإمكانيات والقدرات والذي يعكس نقص الخدمات الأساسية، وانخفاض مستوى المعيشة ونوعية الحياة معاً، ويرتبط الفقر بهذا المعنى بنقص التشغيل، والبطالة وضعف أو انعدام فرص الحراك الاجتماعي وهو المحرك الأساسي لانتقال الناس مكانياً إضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي بالإضافة إلى اختفاء الديمقراطية العربية التي تؤدي إلى شعور أصحاب العقول والخبرات بالغربة في أوطانهم، مما يدفعهم إلى الهجرة سعياً وراء ظروف أكثر حرية واستقراراً.

- انعدام توازن النظام التعليمي، وفقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية والبحوث العلمية.

- سفر الطلاب إلى الخارج، وتأقلمهم مع أسلوب الحياة الأجنبية واستقرارهم في الدول التي درسوا فيها والتأثر بمجتمعاتها بالإضافة إلى توفر الجو العلمي المناسب مقارنة بالمتاح في بلادهم الأصلية.

- يعاني العلماء في العالم العربي من انعدام وجود بعض التخصصات التي تناسب طموحاتهم كعلماء الذرة وصناعات الصواريخ والفضاء والعلوم البيولوجية.

- عدم تقدير العلم والعلماء في معظم الدول العربية ووضعهم في أماكن لا تليق بإمكانتهم العملية.

- عدم تجاوب الدولة أو المنتجين من القطاع الخاص في بعض الدول العربية لأصحاب الاختراعات والأفكار غير التقليدية حتى تتحقق تلك الأفكار في صورة منتجات كما حدث في الثورة الصناعية، وتخلف النظم التربوية والبطالة العلمية.

ويأتي مستوى الإنفاق على البحث العلمي والتقني في الوطن العربي والذي يبلغ درجة متدنية مقارنة بما هو الحال عليه في بقية دول العالم كأحد أهم أسباب هجرة العقول، حيث نجد أن الإنفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي لا يتجاوز 0.2% من إجمالي الموازنات العربية، بينما في إسرائيل 2.6% من الموازنة السنوية، في حين أن ما تنفقه أمريكا 3.6% والسويد 3.8% وسويسرا واليابان 2.7% وفرنسا والدنمارك 2%.

وينجم عن هجرة الكفاءات العلمية للخارج حرمان دولنا العربية من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فكيف يمكن مواجهة تلك الظاهرة؟.

يمكن للحكومات العربية الحد من هجرة العقول العربية عن طريق العديد من الوسائل لعل منها الآتي:

- احترام الحريات الأكاديمية والعلمية، وإعطاء أعضاء الهيئات العلمية والأكاديمية حرية التعبير وتوفير الإمكانيات اللازمة للوصول إلى مختلف علوم المعرفة والعلوم.

- فصل التعليم عن السياسة واحترام حقوق الإنسان وخضوع الدولة والأفراد للقانون.

- رفع القيود والحواجز عن الدراسات والأفكار والبحوث والنتائج وتأليف المحاضرات واستعمال مختلف وسائل التطور الحديثة.

- منح أصحاب الكفاءات أجوراً وحوافز مالية تليق بمكانتهم العلمية وعقولهم ومدى استفادة الدولة من ذلك في نهضتها العلمية التنموية.

- تشجيع وتسهيل المساعدات التي تضمن توفير السكن المناسب وتقديم الخدمات اللازمة لقيامهم بأعمالهم بصورة منظمة وفعالة.

- تعاون المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة اليونسكو لإقامة مشروعات ومراكز أكاديمية وعلمية لجذب تلك القوى (المهاجرة) للأشراف على مثل هذه المراكز والإسهام في أعمال وأنشطة هذه المراكز.

وفي النهاية يبقى أن نقول إنه لا أمل لدولنا العربية في الخروج من مأزق التنمية ومصيدة الدول النامية إلا بالاعتماد على سواعد وعقول أبنائها وأفكارهم وبالتالي يجب تشجيعهم على العودة بتوفير كافة الإمكانات المادية والعلمية والاجتماعية لهم حتى يتحقق لدولنا العربية الاستفادة منهم في عملية التنمية الاقتصادية من أجل رفعة ونهضة دولنا العربية.

كاتب اقتصادي


asa5533@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد