ندرة السلعة أو تحديداً منعها، يخلق على هامشها سوقاً سرية رائجة لها، ولربما السوق التي اتفق الاقتصاديون على تسميتها (السوق السوداء).
وفي العالم العربي يبدو أنّ الأفكار هي أخطر السلع وأكثرها قدرة على استفزاز المجاميع وتهديدها.
ومن هنا بات منع كتاب ما من التداول هو أفضل حملة إعلامية، من الممكن أن تمنح هذا الكتاب سوقاً متلهفة على تداوله، فيصبح الحصول على الكتاب (الممنوع) إمّا عبر محاولة الوصول إلى منافذ البيع المسموح بها والتهريب من بلد إلى آخر، أو عبر نسخ المخطوطات وتصويرها، أو تحميله عبر الإنترنت، وجميع ما سبق يقف قرار المنع أمامها مستلباً عاجزاً عن تطبيق ضوابطه.
وبحسب ما نشرت إحدى الصحف المحلية، فإنّ معرض الكتاب الأخير في الرياض، حظي اليوم الأخير فيه بإقبال منقطع النظير من الروّاد، بهدف الحصول على الكتب الممنوعة، والتي كان الناشرون يحاولون التخلُّص منها خلسة، عندها التقطها الروّاد بتلهُّف وفضول كبير، ورغبة في اكتشاف المجهول.
في الدول الشيوعية (سابقاً) كانت السلع الرأسمالية البرّاقة المترفة والممنوعة أيضاً، تعتبر ترفاً برجوازياً مقلقاً لصرامة النظام وهيمنته، حتى تحوّلت إلى حلم وأمنية لمجتمع محاصر بستار الشيوعية الحديدي.
هناك مفارقة محلية قد تندرج في نفس الموضوع، فالسوق السوداء لم تعد تقتصر على السلع، بل تجاوزتها وانتقلت إلى البشر، فيروى فيما يروى, بأنّ الشباب المطرودين والملاحَقين في جميع زوايا المدينة، حينما يُحرمون من الدخول إلى أحد المجمعات التجارية فإنّهم، يتوسّلون إلى أيٍّ من السيدات ليرافقوها عند المدخل كأنهم أفراد عائلتها، مما جعل بعضهن يسعين إلى تحويل هذه المهمة إلى تجارة مربحة، فترافق من يرغب الدخول مقابل خمسين ريالاً، تدفع لها بسرية، وتخلقت على هامش المنع عائلة مستأجرة، ليتم من خلالها التحايل على القوانين والالتفاف حولها.
السيل المحتطم حينما تصادفه الصخور أو السدود فإنّه سرعان ما يتحايل عليها ويلتف حولها بحثاً عن مسارات أو قنوات أخرى، كذلك تيار الحياة الهادر من الصعب أن يستسلم للأبواب المغلقة، أو النوافذ المصمتة، فسرعان ما يتحايل ويخاتل الممنوع ليستمر في الانهمار.
وإنْ كانت السوق السوداء هي حل مؤقت ومختلس، لكن بالتأكيد يحيلنا إلى حقيقة ثابتة، أنّ قوانين المنع والحظر ليست سوى حلول مؤقتة يسعى البشر دوماً إلى مراوغتها، ومحاولة الاختلاس من خلال ثغراتها ، مقابل القوانين التي تنطلق من تمام واكتمال الإرادة والاختيار الإنساني ، ونمو الوعي وتطور القدرة على عملية الفرز بين الغث والسمين.