Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/03/2008 G Issue 12955
الثلاثاء 10 ربيع الأول 1429   العدد  12955
حديث القلب، وثيقة المَليك لمحبيه
فضل سعد البوعينين

من القلب إلى القلب حديث لا يمل ولا ينتهي، كلمات صادقة تملأها المحبة، والرحمة، والنقاء؛ تلقّفتها أرواح الشعب قبل آذانهم؛ وللأرواح جسور لا تُرى، تعبر من خلالها رسائل الحب الصادق، وتعابير الوفاء. كلمات طاهرة، نقيّة، مفعمة بالمشاعر الأبوية ألبست خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز حلّة زاهية من البلاغة الراقية، وعذوبة اللفظ، ودقة التوجيه.

****

من القلب إلى القلب وجَّه الملك عبد الله بن عبد العزيز النقد الصادق إلى نفسه (حدّ القسوة المرهقة) متجرّداً من عباءة الحكم، وسطوة المُلك. أَعرض عن حديث الإنجازات، وهي كثيرة مشهودة، وأقبل نحو بناء المستقبل ورسم السياسات الكفيلة بحفظ كيان الدولة، وتحقيق النمو ورفع مستوى معيشة المواطن، وتأصيل حق الحرية المسؤولة في (النفوس الطاهرة المحبة لمكتسبات الوطن الروحية والمادية، ليبقى شامخاً عزيزاً متفوّقاً في زمن لا مكان فيه للضعفاء والمترددين).

في مواجهة الفقر، وبعد زيارته المشهودة للأحياء الفقيرة بالرياض، تحمّل الملك عبد الله، مسؤوليته أمام الله، وانتقد نفسه قبل الآخرين، فأقدم على إنشاء البرامج الخاصة وأمر بوضع إستراتيجية شاملة لمكافحة مشكلة الفقر. وفي زياراته التفقدية لمناطق المملكة، اعتذر علانية لأهالي المناطق التي لم تصلها مشروعات التنمية، وأمر بوضع خطة متكاملة ل(تنمية المناطق) على أسس من العدالة والمساواة. القسوة في نقد الذات، وتحمُّل المسؤولية كانت حاضرة على أرض الواقع، قبل أن تترجمها كلمات الملك عبد الله بن عبد العزيز الصادقة التي أرادها أن تكون رسالة توجيه لكل من ولي أمراً من شؤون المسلمين.

محاسبة الذات قبل أن يحاسبها الآخرون، ثقافة ملكية باتت تطوّر من ملامح الإدارة الفاعلة الهادفة إلى بناء الوطن، على أسس من الصراحة والوضوح، والشفافية المطلقة. مبادئ إسلامية صرفة أرادها الملك عبد الله أن تكون نبراساً للآخرين، وقد قال الخليفة الراشد، رضي الله عنه، رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا، فالقصور سمة العمل البشري، وما الكمال إلاّ لله سبحانه وتعالى.تحدث الملك عبد الله في كلمته الموزعة عن الشأن الاقتصادي، وأكد على تحسين مشاريع البنية الأساسية، واعتماد مشاريع جديدة بشكل يحقق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة، وهي الإستراتيجية التي أعلن عنها رسمياً قبل عامين تقريباً وبدأ في تنفيذها، إنجازاً للوعود الملكية التي قطعها على نفسه أمام المواطنين.

هناك ربط واضح في خطاب الملك بين رفع معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة فرص العمل، إضافة إلى رفع مستوى معيشة المواطن وتحسين نوعية حياته. فالنمو الاقتصادي يبقى شاذاً إذا لم ينعكس إيجاباً على معيشة المواطنين. فالمواطن هو محور خطط التنمية التي وضعها الملك عبد الله بن عبد العزيز، لذا جاء الربط تأكيداً لأهدافه النبيلة، وتوجيهاً للمسؤولين باستغلال مشروعات التنمية لتحسين معيشة المواطن، وتوفير فرص العمل، والكسب الحلال.

يترقّب المواطن انعكاساً سريعاً لخطط التنمية على شؤونه الحياتية .. تُحَرِّك أسعار النفط المرتفعة، والمليارات المتدفقة على مشاريع التنمية، مكامن الأمل في نفوس المواطنين، وترفع لديهم معدل التوقعات الإيجابية، ويستعجلون الخير، من أكف الخير والعطاء، ويطالبون وزراء الحكومة بمحاكاة القائد في أقواله وأفعاله، خاصة في محاسبة النفس، وتحمل المسؤولية، واتخاذ القرارات الجريئة.

وإذا كان للشأن الاقتصادي أهمية بالغة في خطط الملك عبد الله، فإنّ للأمن الأولوية .. فالاستقرار السياسي والأمني (مطلب أساسي للمحافظة على كيان الدولة، وتحقيق التنمية وحماية منجزاتها). الأمن والرخاء صنوان لا يفترقان، وقد علّق الملك عبد الله نياشين الفخر على صدور رجال الأمن الذين حققوا (إنجازات متتالية في تفكيك خلايا الفئة الضالة وتجفيف منابع تمويلها)، وقدّم لهم الشكر والتقدير، ودعا لشهداء الواجب الذين قضوا دفاعاً عن مقدرات الأمة.

لم يكن الربط في جزئية الاستقرار السياسي بين إكمال منظومة تداول الحكم بإصدار نظام هيئة البيعة ولائحته التنفيذية وتكوين هيئة البيعة، وبين تحديث نظام القضاء ونظام ديوان المظالم وتخصيص سبعة مليارات ريال لتطوير السلك القضائي عرضاً، بل هو ربط مقصود على أساس أنّ العدل أساس الحكم، ومتى ما أديت الحقوق على وجهها الأكمل، كان ذلك مدعاة لرضاء الرب ومباركته، وسبباً في بقاء الملك الذي يؤتيه الله من يشاء من عباده. وخاطب الملك عبد الله المواطنين ببلاغة حانية، وكلمات جامعة؛ مستكملاً تبيان متطلّبات البقاء والنماء وتنمية الفرد والمجتمع؛ في قوله (عندما أوصيكم ونفسي بمخافة الله، والحرص على ألاّ يكون بيننا ظالم ومظلوم، وحارم ومحروم، وقوي ومستضعف، فنحن جميعاً إخوة متحابون في وطن واحد يتمسك بعرى عقيدته، ويفتديها بحياته، ويتمسك بوحدة الوطن، لا يسمع نداءات الجاهلية، سواء لبست ثياب التطرف المذهبي أو الإقليمي أو القبلي)؛ فعلى هذه الأسس تبقى الدولة، وتزدهر الحياة، ويضيء الأمن أرجاء البلاد. التنمية الاقتصادية، رفع مستوى معيشة المواطن، الحرية المسؤولة، ومحاسبة النفس، شكّلت فيما بينها وثيقة الملك عبد الله بن عبد العزيز التي استودعها قلوب الوزراء، المسؤولين. فكانت الوثيقة الصادقة التي صدرت من القلب إلى القلب كما أرادها خادم الحرمين الشريفين، وتمنيناها جميعاً.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد