قبل ثلاثين عاماً راجع إدارة المرور لاستخراج أول رخصة قيادة له، ما زالت أحداث ذلك اليوم راسخة في ذهنه كأنها حدثت البارحة، ففرحته بامتلاك أول سيارة وأول رخصة قيادة كانت لا توصف خصوصاً وهي توحي له بالتميز على أقرانه الذين لا يمتلكون رخصة القيادة وربما لا يمتلكون السيارة أصلاً، ويتذكر أن الموظف المعني بعد مراجعة ما كان يتطلبه استخراج رخصة القيادة طلب منه وبإصرار غريب أن يضع الأوراق في ملف علاقي أخضر ثم يقدمه ثانية، ولم يملك خياراً آخر غير الالتزام بتعليمات موظف المرور، كانت الملفات العلاقية الخضر تباع على قارعة الطريق بجوار مكتب المرور، فالملف العلاقي الأخضر كان عرفاً يسير عليه كل الذين يراجعون الدوائر الحكومية.
اليوم هو في مكتب المرور لا ليستخرج رخصة ولكن لتجديد رخصته التي تحصل عليها منذ ثلاثين عاماً كانت تجدد له في كل مرة عن طريق القسم المسؤول في إدارته والتي كانت تكفيه مراجعة الدوائر الحكومية والمرور واحد منها، ولأنه تقاعد عن عمله كان لزاماً عليه أن يراجع بنفسه لإنهاء متطلباته.
صورة من بطاقة الأحوال، وصورتين شمسية، وخطاب تعريف، والكشف الطبي العقيم على النظر، هذا كل ما كان يتطلبه الأمر، هكذا حدث نفسه قبل أن يطلب منه موظف المرور أن يضع كل هذه الأوراق في ملف علاقي أخضر، التزم بما طلب منه واشترى ملفاً من (البسطات) الموجودة والتي لم تختلف عما كان يعرفه منذ ثلاثين عاماً لدرجة أنه شك في أن الشخص الذي يبيع الملفات العلاقية الخضر هو الشخص نفسه الذي اشترى منه ملفه العلاقي الأول، أخذ الملف ووضع فيه كل الأوراق المطلوبة وقدمه ثانية للموظف المعني، وتفاجأ أن الموظف لم يكن يحتاج لأكثر من صورة شمسية واحدة ضمها مع بقية الأوراق ثم ألقى بها دون اهتمام لتنضم لمجموعة كبيرة من الأوراق والملفات، أما الصورة الثانية فقد نسخها عن طريق الماسح الضوئي ثم بكل بلادة ألقى بها أمامه في سلة المهملات رغم مطالباته بإعادته له فقد استكثر على نفسه أن تلقى صورته بهذه الطريقة.
في عالم تحكمه التقنية، لا تزال الأمور تسير وتدار بنفس النهج الذي عرفناه منذ ثلاثين سنة، ولا يزال الملف العلاقي الأخضر صامداً واثقاً من بقائه، فالمعلومات التي يقال إنها مخزنة عن كل مواطن لا قيمة لها طالما أن الأمور تبدأ وتنتهي بملف علاقي أخضر وخطاب تعريف.. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com