كتب إليَّ بحرقةٍ وألم: لقد كثرت الأمراض، وتوقف المطر، وزاد الغبار، وانتشر الغلاء، وكثرت الديون، فهي دعوة للرجوع إلى الله عز وجل، فدعونا نستغفر الله، ونكثر من الاستغفار لعل الله عز وجل يغيث البلاد والعباد ويرحمنا برحمته، فما نزل على الناس بلاء إلا بذنب، ولا رفعه الله عنهم إلا بتوبة، فهيا إلى الاستغفار والتوبة والاستذكار.
تأملت هذه النصيحة التي كتبها صاحبي بمدادٍ من حرصه على مصلحة المسلمين، وخطَّها بريشةِ أمله في رجوع الناس وتوبتهم واستغفارهم، فوجدت فيها من الحقّ الذي لا يُدْفع، ومن التوجيه الذي لا يُرَدُّ، ومن النصيحة التي لا تُرفض ما يستحق منا أن نقف عنده وقوف المعتبرين، المستذكرين، الذين يراجعون أنفسهم، ويحاسبونها قبل أن تُحاسب.
نصيحة ثمينة في وقت قلَّ فيه الناصح، وانصرف فيه الغافل، وتكاثرت فيه ذئاب الغفلة واللهو التي تفترس عقول الناس، وقلوبهم، وأوقاتهم.
نصيحة تحرِّك فينا الإحساس بحالة العالم في هذا العصر، العالم المسكون بالغفلة عن ربِّه سبحانه وتعالى، العالم المشغول برغباته وشهواته، وتقدُّمه المادي الكبير بما يحمل معه من عوامل اللهو والمجون والغفلة، والاستسلام لمظاهر الحياة الدنيا الخادعة.
توقفت عند هذه النصيحة التي سطَّرها لي صاحبي، لأنها جاءت بعد زمنٍ غير قصير من العلاقات والعمل، والانشغال، لم أسمع فيه إلا الحديث عن الدنيا، ومظاهرها، وبريقها، وعن أوهام العصر وتقليعاته، وعن فوراته الاقتصادية المثيرة، وشركاته المتسلِّطة، وأسواقه الضخمة، ودلائل الترف التي تظهر بصورة عجيبة عند فئاتٍ من الناس لم يعرف مثلها من قبل.
هكذا في هذا الخضمِّ من الغفلة والانشغال بالدنيا وصخبها وضجيجها وبريقها الأخاذ، تظهر هذه النصيحة بكلماتها المختصرة لتؤكد لنا أن في الناس من ينظر بمنظار روحي، ويزن الأمور بميزان شرعي، ويشعر بخطر الغفلة واللهو على أصحابه ومجتمعه ووطنه، فيلقي بنصيحته لعلها تعيد الغافلين إلى وعيهم، واللاهين إلى جدِّهم.
هنالك من تتحرك في نفسه آثار الموعظة والذكرى، فيراجع نفسه، ويعيد النظر في حالته، ويثوب إلى رشده، وهنالك من لا يعير مثل هذا الكلام اهتماماً، ولا يوليه عناية، ولا يفكِّر في عواقب الأمور، بل إن هنالك من يقول حينما يستمع إلى ناصح: مسكين من يقول مثل هذا الكلام في عصر العولمة، والثقافة المفتوحة، والاتصالات التي لم تدع للخصوصية المكانية والزمانية والدينية مجالاً في حياة الناس، ولا شك أن هذا الكلام يحمل من الخطورة ما لا يتوقعه قائله، فما أهلك ويهلك الناس إلا استحكام الغفلة فيهم حتى لا يعرفوا معروفاً ولا ينكروا منكراً، ولا يتورَّعوا عن زلل.
تحية لهذا الناصح، فإنه وأمثاله بما يقدمون من نصائحهم ينشرون روح الأمان والاطمئنان في المجتمعات الغافلة.
إشارة:
الاستغفار سفينة نجاةٍ في خضمِّ الحياة
www.awfaz.com