استوقفني الهجوم المركّز على فضيلة الشيخ الجليل الأخ عبد المحسن بن ناصر آل عبيكان وكأنه مستهدف، هذا مع أنه عرف بالتزامه منهج السلف في الفقه والفتوى، فهو لا يخرج عن دائرة الفقهاء المعتبرين ولا يتقدم في فتوى بل له سلف وأقوال راجحة خاصة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل -
رضي الله عنه - لأنَّ هناك من لا يستطيع أن يروج بضاعته أو دسه من خلال مناهج معروفة مدروسة محدودة تواتر على خدمتها رجال صدقوا ما عاهدوا الله وهم الفقهاء.
أمَّا الاعتراض عليه لكونه رقص في عرسهم فالسؤال مَن هو المعترض وما شأن هؤلاء والفقه فإن أصحاب الحركات لا يعولون على الفقهاء ولا على كتبهم بل فقههم فقه فوضوي.
نعم لقد رقصت عدة سنوات وأنا شاب صغير ورقصت في العيدين، فإن الرقص في ما يسمى العرضة وهو فن يضرب فيه بالطبول ويلعب فيه بالسيوف وينشد فيه أناشيد حماسية تحث على الجهاد والكفاح، وهذه العرضة كانت تلهب حماس المتحاربين حين القتال بالسلاح الأبيض وقد اشتهرت العرضة في أنحاء الجزيرة العربية، وهناك بعض الاختلاف في الضرب والأداء في الحركات ما بين جاد جاد وما بين متراخ حسب البيئة، ففي اليمامة الرياض وما جاورها لها ضرب حثيث فيه شيء من الجدية، وفي شمالي نجد وحائل والكويت والأحساء لها وقع شبه موزون عروضياً، أمَّا في البحرين وقطر والإمارات ففيها نوع من التراخي والارتخاء في العزف (الضرب) وكذلك الرقص.
وقد كان والدي - رحمه الله - مسؤولاً عن الحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) آنذاك، وكان في كل عيد يقلدني سيفاً توارثه من الأجداد وأذهب أرقص في عرضة أهل حينا النعاثل التي يتبناها آل ملحم ويرقص فيها مشايخ وعلماء شهد لهم بالورع والصدق مع الله. وهي تعلم الرجولة والشجاعة وليس فيها غزل ولا ميوعة، وقد دعيت منذ سنوات في عرس في أحد بلدان الأحساء فلما رقصت أنا مع أولادي شنَّع عليَّ الجهال والعوام هوام والناس أعداء ما جهلوا. هذا مع أنَّ الفقهاء أجازوا الطبل في الحرب، قال صاحب غذاء الألباب شرح منظومة الآداب رحمه الله: (وأمَّا الطبل فكرهه أحمد - رضي الله عنه - لغير حرب، واستحبه ابن عقيل في الحرب وقال: لتنهيض طباع الأولياء وكشف صدور الأعداء. قال: وليس عبثاً فقد أرسل الله الرياح والرعود قبل الغيوث، والنفخ في الصور للبعث الخ ج1 ص147.
ولقد كان الناس قديماً إذا أرادوا مقابلة العدو فإنهم يدعون قوماً مختصين وهي ما تسمى الآن الفرقة وهي العرضة، فيجتمعون في مساحة تسمى البراحة فتدق الطبول ليأتي المحاربون متقلدي أسلحتهم فإذا اجتمعوا تقدمهم صاحب الراية (العلم) بعد أن ودعهم أهلهم داعين لهم بالنصر ويتجلد النساء ويتصبرن مشجعات الرجال على الثبات أمام العدو ولا يتخلف عن العرضة إلا الجبان ويسمى (الرخمة).
وقد كانت العرضة تقام في منى بعد الحج وكان يحضرها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - والملك سعود وبقية الأمراء آنذاك مع وجود العلماء من كل مكان فلم ينكر هذا أحد.
www. alismaeil. com