لعله من الحكمة وحسن التصرف ما أعلنت علنه وزارة التربية والتعليم عن عزمها تخصيص جزء من ميزانية مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم في مجال تحسين أداء قطاع الإعلام التربوي بالوزارة وإدارات التربية والتعليم نظراً لما للإعلام التربوي من دور حيوي وفاعل على المسيرة التعليمية،،،،
فيما لو تم استثماره بسبل مهنية إعلامية احترافية عالية المستوى بأيدي وعقول وإشراف الخبرات التربوية.
ففي سنوات مضت نشط الإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم وتمددت أذرعه الإعلامية فكانت له برامج تلفزيونية مميزة شدت المشاهدين واحتلت ساعات الذروة وظهرت مطبوعة بشكل جديد جمع فيه القائمون عليها بين المهنية والرصانة، كما تعددت وسائل التعبير المرتبطة به وتكاثرت عددياً مدللة على مدى تلهف شرائح المجتمع لوسائل الاتصال المتخصصة في الجوانب التربوية غير أن تلك الجهود المميزة أخذت في الاضمحلال والتقلص نتيجة لعوامل متعددة من أبرزها تغيير النظرة الإعلامية للقيادات التربوية الجديدة عن سابقيهم وكذلك رحيل العديد من الكفاءات الإعلامية عن وزارة التربية إلى غير ذلك من العوامل.
ومع أن معظم زملائي الأفاضل العاملين في وحدات الإعلام التربوي جمعوا بين الممارسة الصحفية المهنية والخبرة التربوية العريضة إلا أن ثمة عوائق وصعوبات حالت بينهم وبين ما يشتهون من إبداع وتطوير في مجال الإعلام التربوي.. ووقفت في طريق سعيهم للقيام بواجبهم الإعلامي المتصل بالميدان التربوي وتفعيل مجالات العمل المدرسي فهم يعانون مثلاً من قلة ذوي الخبرات الإعلامية والفنية المتخصصة كما أنهم يشتكون ضالة الميزانية المتخصصة لتنفيذ البرامج والخطط الإعلامية الموجهة لمجالات العمل المدرسي فضلاً عن القصور في هضم مفهوم الإعلام التربوي من قبل كثير من منسوبي الإدارة التعليمية على اختلاف وظائفهم ومراكزهم الإدارية.
هذه الصعوبات أدت في النهاية إلى فشل بعض أهم أدوات الإعلام التربوي في تحقيق الغايات المأمول منه ولم يستطع القائمون عليه في تقديري من الوصول بخطابهم الإعلامي إلى التأثير المأمول في الشريحة المستهدفة (من طلاب ومعلمين وتربويين وأولياء أمور.. إلخ).
وإذا كانت مجلة المعرفة العريقة والشهيرة تشكل اليوم رأس الحربة في وسائل الإعلام التربوي فإنها حسب نتائج بعض البحوث والدراسات الميدانية ما زالت في وادٍ وواقع التعليم في واد آخر وهنا أستشهد على سبيل المثال بنتائج دراسة الماجستير التي قدمها الدكتور محمد فالح الجهني بعنوان (الخطة الإستراتيجية للإعلام التربوي من خلال دراسة 60 عدد من مجلة المعرفة السعودية) وتوصل فيها لعدد من النتائج منها: عدم اتزان في معالجة مجلة المعرفة للمحاور الموضوعية الواردة في إستراتيجية الإعلامية التربوي بالوزارة وهذا يدل - في رأيي - على وجود خلل منهجي في سياسة المجلة يؤثر في تحقيقها لغايات تأسيسها ويؤكد هشاشة التزام مسؤولي التحرير فيها بأهداف صانع القرار بالوزارة كما لاحظ الدكتور الجهني من خلال دراسته لإعداد مجلة المعرفة أنها تميل إلى المضمون الثقافي العام على حساب المضمون التربوي التعليمي المتخصص وهذا - في نظري الشخصي - أحد أهم المآخذ على هيئة التحرير بالمعرفة وهو أحد أسباب تدني نسبة قرائها من التربويين لأنهم يرونها مجلة شاملة أو سياسية وليست تربوية بالدرجة الأولى (خاصة في الفترة التي سبقت إدارة الدكتور عبدالعزيز الجارالله لها).
وإخفاق بعض وسائل الإعلام التربوي (وهي بالمناسبة بالعشرات على مستوى المملكة) عائد إلى أنها صارت تبالغ في إظهار الجانب الرسمي للجهاز التربوي ووضعت في سلم أولوياتها إرضاء المسؤول التربوي الأعلى - أياً كان موقعه - وأزاحت بالتالي الشرائح التربوية الأخرى من سلم اهتماماتها وتعالت عن إعطاء المساحة اللازمة لعرض هموم الطلاب والمعلمين وتطلعاتهم من مسؤولي الوزارة الأمر الذي أحدث قطيعة بين التربويين ووسائل الإعلام التربوي.
ولو جعل مسؤولو التحرير في وسائل الإعلام التربوي - الميدان التربوي والعاملين فيه - محور اهتمامهم لتمكنوا من طرح ومعالجة العديد من القضايا الحساسة المتصلة بالعمل التربوي بطريقة ذكية تسمح لأصحاب الشأن من المسؤولين بالتعبير عن مواقفهم في الوقت الذي تعطي فيه مساحة كافية لذوي الرأي من التربويين في عرض انتقاداتهم الموضوعية لأن الجرأة والإثارة - المنضبطة - هما سر نجاح المطبوعة وسبب انتشارها وإقبال المتلقي عليها وإعلامنا التربوي في بعض تجلياته ما زال من الرافضين لهذه المسلمة فهو يراوح خطاه بين موضوع إنشائي مقيت أو نقل مشوه من شبكة الإنترنت ويضرب عرض الحائط بالقضايا الساخنة التي تهم جموع التربويين الذين لاذوا بمواقع الإنترنت وجعلوها منبراً لنشر رؤاهم الممنوع نشرها في وسائلهم التربوية المتخصصة.
ولتأكيد كلامي حول بعد وسائل الإعلام التربوي عن الميدان استشهد بنتائج دراسة علمية للباحثة نوف القحطاني (بعنوان الإعلام التربوي ودوره في تفعيل مجالات العمل المدرسي) أجرت فيها دراسة ميدانية على أكثر من ستين من مديري المدارس وتوصلت فيها لعدد من النتائج منها أن مديري المدارس يرون قصوراً في أداء الإعلام - الجانب الإعلامي الخبري - لوسائل الإعلام التربوي حيث حصل على درجة ممارسة متوسطة في تقدير مديري المدارس، وهو أمر لا يبدو مقبولاً، لأنه يدل على قصور في أهم مجالات العمل الإعلامي وأبرز وظائفه وهي وظيفة الإعلام والإخبار. كما لاحظت الباحثة أنه كلما زادت درجة حاجة تنفيذ العبارة إلى الاحتكاك الميداني مع مجالات العمل المدرسي وإلى جهود جماعية وخطط مدروسة قل متوسطها الحسابي.
وحتى تتجاوز وسائل الاتصال التربوية هذا المأزق فإنها مطالبة بإعادة النظر في المنطلقات والغايات والضوابط والأولويات التي وضعتها لنفسها لتتأكد من مدى مواكبتها للتطور الرهيب الذي فرضه المجتمع الرقمي على كافة وسائل الإعلام وحدا بها إلى تغيير نهجها الإعلامي رغبة في كسب رضا القارئ الذي تعددت أمامه الخيارات الإعلامية وصار قادراً على الاختبار والقبول والمقاطعة.
كما أن الزملاء القائمين على إنتاج وإدارة وسائل الإعلام التربوي مطالبون بتقييم الأثر الإعلامي الذي أحدثته وسائلهم في المتلقين والسعي وفق الأسس العلمية لمعرفة رد الفعل - الحقيقي - الذي يجب أن يتم على ضوئه يتم رسم الخطط المستقبلية لهذا القطاع المهم.
ولا بد من بذل الجهد العلمي والميداني للكشف عن مدى نجاح الإعلام التربوي في تحقيق غاياته خاصة في ظل وجود فجوة في تحديد أولويات الخطاب الإعلامي التربوي بين ما تقدمه وسائل الإعلام التربوي بالمملكة وبين تطلعات ورغبات الشريحة المستهدفة وهم المعلمون والمديرون، ولا بد من بذل الجهد من قبل الباحثين والسعي في ردم هذه الفجوة بالبحوث العلمية والدراسات الميدانية.
إن ظروف المرحلة التطويرية التي تمر بها وزارة التربية والتعليم تفرض عليها في تقديري أن تفوض قدراً كبيراً من المهام المتصلة بالإعلام التربوي من الوزارة وإدارات التعليم الكبرى إلى المحافظات والمراكز التربوية الفرعية مع تفريغ عدد من المعلمين ذوي الخبرة الإعلامية للاضطلاع وبواجبهم الإعلامي في مجال التربية والتعليم وتوفير الميزانيات المالية الملائمة لتنفيذ برامج وخطط الإعلام التربوي المختلفة.
وإدارات الإعلام التربوي مطالبة بتجسير علاقتها بالميدان التربوي وفق آليات تتيح لها رصد التجارب التربوية المميزة (على مستوى المعلمين والطلاب والمديرين والمدارس وأولياء الأمور... الخ) بغرض إبرازها إعلامياً عبر القوالب الصحفية المختلفة (مقال صحفي + حوار تلفزيوني + مشاركة في ندوة + مداخلة في إذاعة... الخ) بما يحقق جملة من الأهداف التربوية المشتركة ويحسن الصورة الذهنية لأفراد المجتمع عن قطاع التربية والتعليم. كما أنها مسؤولة عن إيصال هموم العاملين في القطاع التربوي ومطالبهم وإيضاح الصعوبات التي تواجههم لصناع القرار وأن ترفع هذه الوسائل من سقفي الحرية والطرح لتكون مرآة حقيقة عن الواقع التعليمي بنجاحاته وصعوباته.
والتربويون من جانبهم عليهم واجب كبير في دعم مسيرة الإعلام التربوي من خلال سعيهم الجاد في تطوير قدراتهم وإمكاناتهم ومتابعة ودعم الوسائل الإعلامية التربوية المتخصصة وبذل المزيد من الجهد في الوصول للدوريات التربوية والإسهام بشكل فعال في تقديم المواد والمعلومات والأفكار لهذه الجهات حيال الدور المتوخى منها.
ومن أهم مسارات التحرك في هذه المرحلة هو إقامة حلقات ونقاش ومفاوضات جادة مع كافة مؤسسات القطاع الخاص المتصل نشاط عملها بالتربية والتعليم بشكل أو بآخر (مدارس أهلية + قنوات تربوية + موردي خدمات..) فهذه الجهات تمثل أحد أهم القنوات القادرة على تمويل مشاريع الإعلام التربوي إذا ما قدم لها مشروع إعلامي متكامل يحقق الأهداف التربوية التي يسعى لها المجتمع.
قطار الإصلاح التربوي انطلق منذ سنوات ويحمد لمن يقوده من المسؤولين عملهم الدؤوب وقربهم من الميدان وانطلاق قراراتهم الأخيرة من منطلق تقديم المصلحة العامة للبيئة المدرسية على أي اعتبارات أخرى وكلنا ثقة في قدرتهم ورغبتهم في تطوير التعليم العام ليكون محققاً لتطلعات القيادة والشعب ومؤسسات المجتمع المختلفة.
* مدير تحرير مجلة الدعوة
MHOSHAN2000@HOTMAIL.COM