العمل العشوائي المرتجل انتهى.. والفجوة الموجودة بين الجامعات وبين القطاع الخاص لا بدَّ من ردمها.. والانعزالية عن المجتمع عامة والقطاعات الفاعلة في مسارنا التنموي خاصة خطأ لابد من تصحيحه، فنحن في الجامعات لدينا على وجه العموم أفضل قوى بشرية موجودة في الوطن. ومن حق هذا الكيان الذي نشرف بالانتماء إليه والمجتمع الذي نحن من نسيجه أن نكون فاعلين فيه ومشاركين في إصلاحه وتنميته من خلال دراسات علمية متخصصة.. وعمل كل جامعة لوحدها خاصة في هذا المجال الهام - مجال البحث العلمي والاستشارات - لا يحقق الفائدة الوطنية المبتغاة ولا يوصل إلى الهدف المأمول غالباً، ولذا لا بد من مدِّ جسور التعاون بين الجامعات السعودية المختلفة وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة في هذا المجال الحيوي الهام، مع ضرورة الاعتراف بأهمية بقاء الصبغة التنافسية بين بعضنا بعضاً، بشرط ألاَّ يؤثر هذا التنافس على السرعة والجودة والتميز ومن ثم ينعكس سلباً على ما يُبذل من جهود وطنية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. كما أنه لابد من استفادة الجامعات السعودية الجديدة من الجامعات ذات التاريخ الطويل في مجال الدراسات والأبحاث حتى يتسنى لهذه الجامعات الناشئة أن تبدأ من حيث انتهى من سبق لا من نقطة الصفر. بهذه العقلية وانطلاقنا من هذه المعطيات الهامة بادرت جامعة الملك عبد العزيز في جدة ممثلة بمعهد البحوث والاستشارات بعقد اللقاء الأول لعمداء معاهد البحوث والاستشارات في الجامعات السعودية نهاية الأسبوع الماضي.. وقد نوقش على مدى يومي الأربعاء والخميس محاور أربعة (الاستشارات، الأبحاث التعاقدية، الإشراف الأكاديمي، الكراسي العلمية). وبعيداً عن الخوض في التفاصيل، ونقل ما قيل، وطرح الأسئلة الشائكة والمناقشات المختلفة التي كانت، أستطيع القول وبكل ثقة أن هذا اللقاء المتميز بحق أظهر بجلاء الرغبة الصادقة لدى الجميع في المضي قدماً بالبحث العلمي والدراسات الاستشارية إلى الغاية التي ينشدها رجال الوطن الجادون في السير نحو البناء الشامل الذي يفي بمتطلبات إنسان هذا العصر على ثرى أديم هذه الأرض الطيبة المملكة العربية السعودية، وإن كانت هناك عقبات عدة تقف حجر عثرة أمام العاملين والقائمين على هذه الكيانات البحثية الهامة، وإن كانت الجامعات ليست على قدم المساواة في هذا المضمار الهام الذي ينتهي بها إلى دعم مسيرة التنمية الوطنية الشاملة في قطاعاتها الثلاثة (الخاص والحكومي وكذا الأهلي)، إنني- ومن باب الشيء بالشيء يذكر- قبل أيام معدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كنت أقرأ في مقدمة كتاب (اللغة والهوية) للباحث الأكاديمي المعروف (جون جوزيف). ومما لفت نظري في هذه المقدمة ما ترجمته (... ولا يفوتني في هذا العمل أن أتقدم بأسمى معاني العرفان لليفير هولمي تراست لمنحها لي زمالة بحثية في العام الجامعي 1999-2000م، كما أذكر بامتنان مساعدات أخرى أتت في شكل منح قدمتها لي مجموعة كلية الآداب واللاهوت والموسيقى، وصندوق هبات موراي بجامعة إدنبرة خلال الفترتين الربيعية للعام 1998م والصيفية للعام 2002م. وإن البحث الأول الذي أدى إلى ميلاد هذا الكتاب كان قد أنجز بفضل منحة بحثية حصلت عليها من جامعة هونغ كونغ في العام الجامعي 1995- 1996م. كما أعبر عن امتناني للزملاء والطلبة بجامعتي إدنبرة وهونغ كونغ وجامعة بيروت الأمريكية ومركز اللغة الإقليمي في سنغافورة الذين ساهموا بشكل كبير في فهمي للغة والهوية، ويمتد امتناني الشخصي ليشمل عدداً هائلاً من الناس يصعب عليَّ ذكرهم جميعهم ولكن سأكون مقصراً إذا لم أذكر على الأقل الأسماء التالية... ثم يورد أسماء ثلاثين باحثاً من مختلف الجامعات العالمية ومراكز الأبحاث المتخصصة- وطالبين اثنين مجهولي الاسم... أفراد عائلتي.. أبناء عمي من عائلة أبو بطرس و...). قلت حينها ترى متى يأتي اليوم الذي يكون المشروع البحثي لدينا مشروعاً مشتركاً ويجد الدعم والمساندة المادية والمعنوية من الجميع بعيداً عن الحسد والأنانية والتنافسية الضارة؟! وكنت أظن ذلك اليوم بعيداً جداً، ولكن أصدقكم القول لقد وضعتنا جامعة الملك عبد العزيز من خلال هذا اللقاء الأول لمعاهد البحوث والاستشارات في جامعاتنا السعودية على أول الطريق، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وهي أهم خطوات الطريق الطويل. وقد وجدت -ولله الحمد والمنة- ومعها ولد التفاؤل من جديد. فشكراً لجامعة المؤسس على هذا الجهد العلمي الرائع، والشكر موصول للداعمين والرعاة: سابك، شركة ابن زقر، أرامكو، وصحيفة الجزيرة التي استشعرت رسالتها الاجتماعية وعرفت دورها المجتمعي فكانت سباقة في المشاركة الفاعلة والحضور المتميز في كثير من مناسبات الوطن الثقافية والعلمية والاقتصادية والترفيهية والاجتماعية والرياضية، ويكفي فخراً أن تمتلك حتى الآن ثلاثة كراسٍ علمية في جامعاتنا السعودية والرابع عن قريب بإذن الله تعالى.