أشير في الحلقة الأولى إلى أن الزيارة السعيدة لحضرموت كانت بدعوة كريمة من الأخوين الفاضلين الشيخ عبدالله باحمدان والشيخ عبدالله بقشان، وترتيب مثالي الجودة من الأخ الحبيب الدكتور عمر بامحسون.....

..... كما أشير إلى أن تلك الدعوة شملت كثيراً من الإخوة الأعزاء، وأن الجميع قد شعروا - وهم ينتظرون في مطار الرياض أن تقلَّهم الطائرة إلى وجهتهم - أن أجنحة لطف الداعين وحفاوتهم ستواكب جناحي تلك الطائرة في التحليق بهم.

وانطلقت الطائرة الخاصة من عروس نجد وقلبها النابض.. الرياض.. إلى مطار سيئون في حضرموت، وكانت الرحلة ممتعة أيما إمتاع، ألفة مرحة، وخدمة مبهجة رائعة. وكانت الإقامة في تلك المدينة في فندق الحوطة، وهو فندق تراثي الصفات، فسيح الأرجاء، رحب الحدائق. وكان اليوم الأول من الزيارة السعيدة حافلاً بالنشاط، ومشاهدة أمكنة لها منزلتها التاريخية.

ومن تلك الأمكنة قصر السلطان الكثيري في تلك المدينة، ومدينة زيم الشهيرة تراثياً بما فيها مكتبتها الغنية بالمخطوطات القيمة، ودار المصطفى للعلوم الشرعية، وجامع المحضار وقصر العشة التراثي هناك. وقد تخلَّل الراحة في إحدى محطات التجوال أداء فن شعبي جميل، في بعض مقاطعه الإنشادية الغنائية بدا لي شبيهاً بفن القدود الحلبية. على أن من أروع ما كان فيه شدو طفل لا يتجاوز عمره العاشرة بنشيد غنائي رائع، صوتاً وأداء.

وفي مساء ذلك اليوم كانت هناك أمسية أدبية بهيجة في حديقة الفندق. وقد اشتملت تلك الأمسية على قصائد ألقاها عدد من الشعراء، بينها قصيدة للدكتور عمر بن شهاب، رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية في سيئون بعنوان: (في عبق الذكرى)، وهي عن الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - ومن أبياتها التي تصف ذلك الشيخ الجليل:

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن كاتب هذه السطور كان قد قدَّم شيخه الجليل في حفل منحه جائزة الملك فيصل العالمية، سنة 1416هـ، بهذه الأبيات:

والبُرُود هي البلدة التي وُلد فيها الشيخ حمد - رحمه الله - ونشأ، وهي في إقليم السر بنجد. أما أبو عمرو فالمراد به الجاحظ. وأما الأصمعي وياقوت فعالمان مشهوران.

وكان من القصائد التي ألقيت في تلك الأمسية الأدبية البهيجة قصيدة لشاعر شاب اسمه الحبيب، عنوانها: (بين أبي تمام والبردوني)، ومن أبياتها:

ولقد شجعني جو تلك الأمسية الأدبية البهيجة على المشاركة فيها، وبدأت مشاركتي ببعض أبيات سبق أن قلتها في زيارة لأحد أقطار أمتنا العربية، معبِّراً عن ودي له، وأرى أنها مناسبة القول في كل قطر من أقطار هذه الأمة، ومنها:

ولأن الشاعر الحبيب قال قصيدته مشيراً إلى أبي تمام والبردوني رأيت من المناسب أن ألقي قصيدة كتبتها بعنوان: (صدى العيد)، جاعلاً مطلعها اقتباساً لمطلع قصيدة المتنبي المشهورة:

ولأن الشاعر، أيضاً، تحدَّث عن حاضر أمتنا العربية التعيس في أكثر جوانبه سألت عما يمكن أن يقوله المتنبي لو كان يعايش هذا الحاضر، فقلت:

وبعد أن عبَّرت عما تشهده القضية الفلسطينية من مآس ونكبات، وما تمرّ به أمتنا من ذل، وما يلحظه المرء من جعل أكثر زعمائها بقاءهم في الزعامة هو الهدف قلت عما حدث للعراق بالذات:

وما كانت تلك الأمسية لتمرَّ دون أن يزيد في إمتاعها أداء فن أصيل من بين فقراته غناء ذلك الطفل الذي سبقت الإشارة إليه، مع آخرين من أقرانه.

وإلى اللقاء في حلقة قادمة إن شاء الله.