خرج علينا معالي وزير التربية ذات ليلة ووضعنا أمام الحقيقة المرة التي نعرفها وهي تواضع مستوى تعليمنا قياساً بطموحاتنا وقياساً بما حققته النظم التعليمية المتقدمة، خصوصاً في مجالي العلوم والرياضيات لكن يبدو أن بعض قيادات تعليمنا لا تتفق مع هذا الطرح لمعاليه. لقد شاهدت لقاءً متلفزاً مع أحد مسؤولي تعليمنا تحدث فيه سعادته عن تعليمنا واقعاً وتطويراً. طرح السائل على المسؤول سؤالاً حول ظهور تقارير تعليمية دولية كشفت عن ضعف حالنا التعليمي. لكن سعادته شكك في مصداقية تلك التقارير. بل هو يؤكد للسائل أكثر من مرة أن تعليمنا حقق تطوراً بدليل أن نظمنا ولوائحنا وبرامجنا التربوية الحالية تختلف عما كانت عليه في عام 1970 (في مدغشقر وجيبوتي تغيرت أيضاً برامجهم التعليمية عما كانت عليه في عام 1970)، كما دلل سعادته على تطور تعليمنا بذكره لقائمة طويلة من البرامج والمشروعات واللوائح التربوية التي طورتها وزارة التربية في السنوات الأخيرة. يا سعادة المسؤول نحن نتفوق على أمريكا وعلى بلاد النوكيا (فنلندا) في عدد البرامج واللوائح والمشروعات التعليمية، ونتفوق عليهم أيضاً في عدد المقررات الدراسية وفي عدد صفحات المناهج، لكنهم في المقابل يتفوقون علينا بالإرادة والإصرار على وضع برامجهم ومناهجهم التعليمية موضع التنفيذ الصادق والأمين، وتقويم أثرها الحقيقي على ما يكتسبه الطالب من مفاهيم وقيم ومهارات وممارسة وأساليب تفكير، وليس لتعدادها أمام كاميرات الإعلام (ألقاب مملكة في غير موضعها...). وفوق كل ذلك يأتي سعادته ليقلل من قيمة المعايير التي بنيت عليها التقارر التعليمية الدولية، دع عنك يا مسؤولنا التعليمي التقارير الدولية ومعاييرها وانظر فقط في مستوى أداء تعليمنا على المستوى الإقليمي المحدود وستجد عجباً يا سعادة المسؤول، إنني أجزم أن كل مشكلاتنا التعليمية سوف تستعصي على الحل طالما بقينا نتجاهل تلك المشكلات وننكر وجودها. يقول أحد الخبراء في هذا الشأن أن الكرسي يصيب صاحبه بالصمم والعمى فلا يعود يرى ويسمع ويتذكر إلا ما يعجبه ويطربه. وختاماً لا بد لي من القول إنني والله لا ارتبط مع ذلك المسؤول العزيز بأي نوع من العلاقة الشخصية، ولا أتذكر أنني قابلته في حياتي، ولعل هذا كاف لاستبعاد العامل الشخصي في هذا المقال. لكنني أعرف يقيناً أن ما سوف يقرره ذلك المسؤول وزملاؤه سوف يؤثر حتما على تعليم أبنائي وتعليم أبنائكم، وبالتالي فإن تحاورنا العقلاني مع ذلك المسؤول يصبح واجباً تمليه المصلحة الوطنية.