يرى بعض الاقتصاديين إستراتيجية ربط الريال بالدولار فرصة مواتية لنمو الصادرات غيرالنفطية، وإن كان من مساوئ ذلك الربط ارتفاع قيمة الواردات إلى مستويات غير مسبوقة، والتي بالفعل ارتفعت أسعارها السوقية وأصبحت تشكل هماً اقتصادياً على المواطن
لكن يوجد أصناف لم تدنُ أو تقترب من دائرة الغلاء والتضخم، ويتبوأ صدر هذه القائمة التبغ ومنتجاته المتعددة.. والذي لم تتأثر أسعاره إما بسبب ارتفاع اليورو أو انخفاض قيمة الدولار، برغم من ازدياد استهلاك التبغ محلياً، وانتشار ظاهرة التدخين بين الجيل الجديد من الذكور والإناث.
يحظى هذا المنتج بحماية غير عادية، وبتوفر أصنافه وأنواعه المختلفة.. هذا بالإضافة إلى تواضع أسعاره في السوق، وإلى عدم ارتفاعها مثلما حدث مثلاً لأسعار الشعير والرز، والذي وصلت أسعارهما إلى معدلات عالية، ونتيجة لاستقرار وسهولة استيراد منتجات التبغ لم يحاول بعض التجار تخزينه في مخازن، ولم تحدث في يوم ما أزمة في وفرة منتجات التبغ أو طفرة في أسعاره، وبالرغم من ذلك لم يفكر تجار الماشية في استخدام التبغ الرخيص نسبياً مقارنة بالشعير كبديل لتغذية الماشية، كما حدث في خلفيات قضية اختفاء الدقيق من الأسواق.. والذي من المتوقع أن تحدث فيه أزمة العام المقبل إذا استمر استعماله لهذا الغرض.
أيضاً وبرغم من تصاعد أخطار تأثيراته الصحية على المواطنين، وبالتالي زيادة أعبائه الاقتصادية على الدولة، لم تفرض الحكومة - رعاها الله- على منتجاته ضريبة مالية.. هذا إذا أدركنا أن أسعاره المحلية تُعتبر الأرخص على الكرة الأرضية، ولو حدث، وتم فرض ضريبة بنسبة 100%على علبة السجائر أو على خام التبغ المستورد مثلاً لظلت أسعاره رخيصة نسبياً مقارنة بغيرها من السلع المحلية، ولوفرت الدولة - حفظها الله- ما يقارب من 50% من ميزانية وزارة الصحة.
وعوداً على بدء في ما تم ذكره أعلاه عن الفائدة الإيجابية لصادراتنا غير النفطية نتيجة انخفاض الدولار، لابد من التنويه أن أحد هذه الصادرات التي استفادت من هذه الرؤية الاقتصادية هي التبغ..
فالمصانع أو المعامل المحلية للتبغ في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة ومكة المكرمة والدمام ازدهرت وأصبحت منتجاتها الوطنية من التبغ متواجدة في الأسواق الخليجية والعربية وربما الدولية، فالإنتاج المحلي للتبغ والذي يتم تخزينه وتغليفه في (سطول) وليس في علب، كما هو الحال في السجاير، ازدهر وتجاوزت إيراداته الاقتصادية ما تنتجه كوبا من (السيجار)..
والسطول مفردها (سطل) وهو وعاء من البلاستيك تتم صناعته محلياً، وتنتشر استعمالاته في أحياء المدن والقرى، وازدهار صناعته كان نتيجة لزيادة إنتاج وتصدير التبغ، فإنتاج مصانع البلاستيك من (السطول) تجاوز المتوقع، وغزت منتجاتها الأسواق العربية وربما العالمية بسبب طفرة صناعة (المعسل) و (الجراك) غير المرخص لها في الوطن نتيجة لاستخدام هذه المصانع للسطل بدلاً من علب السجائر الفاخرة.
تتصدرالقهاوي الشعبية والمنتشرة بكثافة على أطراف المدن استهلاك جزء لا بأس به من منتجات التبغ المحلي، وتُقدر مكاسبها بالملايين، وتعتبر التسهيلات التي تُمنح للبعض مصدراً هائلاً للثراء. ويروي رواد قهاوي المعسل أن ثروات بعض رجال الأعمال تكونت على ضفاف شلال التبغ ومنتجاته من (الجراك) و (المعسل)..
الجدير بالذكر أن مادة التبغ وبعض مكوناته الأساسية يتم استيرادها من الخارج تماماً مثل برادة الحديد وخام النحاس، والذي نستورد موادهما الأولية من أجل تصنيع منتجاتهما محلياً، لكن ذلك لم يؤثر على أسعار التبغ، بينما وصلت أسعار الكابلات ومنتجات الحديد إلى معدلات غير متوقعة.
أيضاً دعم الحكومة لجزء من تكاليف الشعير والرز لم يساعد في خفض أسعارهما، بل أدى لاستمرار غلاء تكاليف استهلاكهما، بينما التبغ، والذي يُستهلك بكميات عالية محلياُُ ولم يحظَ بدعم الحكومة، لم ترتفع تكاليف آثاره السلبية على كاهل صحة المواطن، وظلت أسعاره الرخيصة على حالها منذ عشرات السنين، والتبغ منتج زراعي تماماً مثل الرز والشعير، وتواجه زراعته حرباً ضارية من بعض الحكومات الغربية والمنظمات العالمية، ومع ذلك لم يحرك الحصار الدولي ساكناً في مرونة تسويقه محلياً أو في ارتفاع تكاليف صناعته أو في معدلات استهلاكه.
سيظل هذا النجاح غير الملاحظ علامة على نجاح الإستراتيجية الاقتصادية لدعم صادراتنا غير النفطية، وظاهرة تستدعي البحث و التنقيب لإدراك الأسباب الحقيقية للتضخم، والذي ظهر كالحمل الوديع أمام مناعة حصن الجنرال تبغ.