أجزم أن لا أحد في مبنى «الجزيرة» المؤسسة، وأسرة تحرير («الجزيرة» الجريدة، محررين وفنيين وإداريين غير حزين على اعتذار الشيخ الأستاذ عبدالرحمن بن فهد الراشد عن الاستمرار في إدارة المؤسسة بعد تخليه عن منصب المدير العام.
وأجزم أكثر أن أبا مصعب يغادر منصبه ولا أحد يحمل ولو ذرة من العتب ولا أقول الغضب, لأن قاموس الغضب والزعل لا وجود له في علاقات الشيخ الراشد مع الآخرين.
اثنا عشر عاماً قضاها بين ردهات المبنى الكبير ل«الجزيرة» صديقاً للجميع، العمال والموظفين الصغار قبل الكبار, محررين وفنيين واداريين.. تدخل مكتبه مجادلاً في موضوع وتخرج راضياً حتى وإن لم تحقق ما كنت تصبو إليه, يملك حجة إقناع يقدمها بمصداقية وطيبة، وتشعر أن القضية قضيته, إلا أن اللوائح والأنظمة تتطلب التزام الجميع بها حتى تعم العدالة.
يخاطبك بفخامة اللغة ويحدثك حديث القلب المعزز بحكمة العقل, والعربية التي هي أقرب للفصحى, بفخامة اللهجة النجدية والواضحة المخارج, محبباً لك لغتك التي يضمنها استعارات الأدب الجم والحكمة المفعمة بالرجولة المستمدة من عشقه لشعر أبي الطيب المتنبي. ولا غرابة فالراشد عاشق متيم بشعر شعراء العربية القدماء والمحدثين.
عبدالرحمن الراشد يودع كرسي المدير العام، ولا يبعد عن «الجزيرة»، فهو لم يكن بعيداً عنها منذ أيام التأسيس مروراً بعمله بوزارة الثقافة للإعلام الداخلي، كان وثيق الصلة برجال الإعلام، بل هو قناة التواصل بين الوزارة ورؤساء تحرير الصحف وكبار المحررين, يعرض وجهة نظر الوزارة دون تعسف وبإقناع وأريحية هي أريحية وثقافة (شيوخ الأدب).
تقاعد عن عمل الوزارة وخرج دون أن يترك أحداً غاضباً منه أو عاتباً عليه، وودع كرسي المدير العام في مؤسسة «الجزيرة» محبوباً تاركاً ذكريات لا تنسى, دون أن يقطع صلته بهذه المؤسسة الصحفية الفكرية, فهو لايزال عضواً في الجمعية العامة للمؤسسة ومن ملاكها إن صح التعبير.
شهدت فترة عمله تطوراً مذهلاً ل«الجزيرة» ليس فقط في تنامي الأرباح وتطور مطبوعات المؤسسة ومطابعها وأجهزتها الفنية, بل في الإسهام الفكري والعلمي لخدمة المجتمع السعودي.. وإذ نودع الأستاذ عبدالرحمن الراشد فنتمنى ألا نُحرم من إسهاماته في تطوير «الجزيرة» من خلال عضويته في الجمعية العمومية ل«الجزيرة».. ونتمنى لخلفه الزميل المهندس عبداللطيف العتيق أن يوفقه الله في مهمته الجديدة لخدمة وطنه ومؤسسته «الجزيرة».
jaser@al-jazirah.com.sa