الأسرة هي نواة المجتمع، وهي خليته الأولى المسؤولة عن تكوين المجتمعات على مختلف الأزمان والعصور، وهي التي تشكل حياة أبنائها، ففيها يتشربون القيم والأخلاق، ومنها يتعلمون سلوكهم ويكتسبون توجهاتهم في الحياة، فالإنسان يولد على الفطرة وتأخذ حياته في التشكل وسلوكه في التكوين من معيشته في الأسرة وهي البيئة الصغيرة في المجتمع والمسؤولة عن تربية أبنائها وصياغة الصورة الأولى التي يكون عليها فكرهم ومعتقدهم، وهذا ما أشار إليه الرسول الكريم - محمد صلى الله عليه وسلم - حين قال (كل مولود يُولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه)، وهذا يؤكد شأن الأسرة بصفتها الحاضنة الأولى للأطفال وتشكيل شخصياتهم بما تحمله وتتضمنه من أفكار ومعتقدات واتجاهات وسلوكيات. |
وقد عرفت المجتمعات أهمية الأسرة في التربية والتنشئة على مكارم الأخلاق، ولذلك فقد نبه العرب منذ القدم إلى هذا الأمر وأكدوا على أهمية التربية الأسرية حتى امتلأ التراث من حولنا بمقولاتهم وإرشاداتهم وحكمهم التي نرددها، التي نسمع منها ما يطرق مسامعنا ويراود أفكارنا دائماً. ولعل من أبرزها قول القائل: |
وينشأ ناشئ الفتيان منا |
على ما كان عوده أبوه |
وإذا كانت الأسرة هي التي تربي أبناءها على القيم والمبادئ فإن هناك مؤثرات كثيرة تتداخل معها بعد ذلك فتساعدها على رسالتها أو تعوقها عن أدائها لما ينبغي ومن تلك المؤثرات جماعة الأصدقاء التي قد يطغى تأثيرها على الأبناء فيضلون الطريق بعيداً عن أسرهم في غياب الدور الواعي الذي يجب على الأسرة أن تؤديه. |
وهنا تبرز المشكلات الناجمة عن جنوح الأبناء وابتعادهم عن الطريق السوي بما له من تأثيرات على أمن المجتمع وأمن أبنائه، ويكون له الأثر السيئ على استقرار الأسرة ذاتها متى تقاعست عن أداء مسؤولياتها، ووقفت بوظيفتها فقط عند حدود توفير الطعام والشراب والمأكل والملبس للأبناء ولم تهتم ببناء القيم والسلوك لديهم وتعويدهم على التمسك بالصالح من الأعمال التي تفيدهم في الدنيا والآخرة، ولعل هذا ما أشار إليه القرآن الكريم في التوجيه الرباني الذي أعلى من شأن التربية في الأسرة في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} سورة التحريم (6). |
فدور الأسرة في الحياة الآمنة والمطمئنة عظيم، وما يعوله المجتمع عليها في حسن التنشئة والرعاية له شأن أعظم فكم من الجرائم ارتكبت في غياب دور الأسرة؟ وكم من الحوادث المدمرة والمخربة كان يمكن تفاديها لو قامت الأسرة بواجبها واتقت الله في تربية أبنائها ورعايتهم ولم تتركهم عرضة لافتراس الجريمة لهم أو الوقوع ضحية لفكر منحرف أو دخيل. |
إن الأمانة الملقاة على عاتق الوالدين في غرس الحس الأمني عند الأبناء هي أمانة عظيمة، كما أن توليد الشعور بقيمة الأمن وأهميته لديهم هو من أهم واجبات الأسرة التي تنشد الحياة السعيدة لأبنائها ولمجتمعها وأمتها، فليست الأسرة نواة أو خلية لتربية الأجسام فقط بل هي الأساس والمنشأ في صياغة سلوك المجتمع واستقامته. |
ويتضاعف الواجب على الوالد بحكم مسؤولياته في تربية الأبناء وواجب القيام بهذه المسؤولية على أكمل وجه منذ السن المبكرة للأطفال حتى يتشرب الأطفال الصفات الحميدة التي تبعدهم عن الجريمة ومسبباتها. أما إهمالهم وتركهم للخادمات أو المربيات الأجنبيات ثم تركهم بعد ذلك لأصدقاء السوء بينما ينشغل الآباء بملهيات الحياة، فإن ذلك يجر الشباب إلى الجرائم التي تعكر صفو الأمن وتكدر الاستقرار في المجتمع، مما يدخل في دائرة الجريمة التي اقترفها الآباء في حق أنفسهم ومجتمعهم كما يقول القائل: |
إهمال تربية البنين جريمة |
عادت على الأبناء بالنكبات |
ذلك لأن إهمال التربية والتوجيه هي من أشد الجرائم في حق المجتمع لما تفتحه من أبواب للجرائم ومنافذ يتيحها المقصرون لتنفذ منها سموم الجريمة بمختلف أشكالها ومنغصاتها على المجتمع وأمنه. |
ويرتبط دور الأسرة بأمن المجتمع بأسلوب التربية الذي يمارسه الآباء أو الأمهات، فالأبناء في حاجة إلى تربية متوازنة شاملة متعددة الطرق والوسائل، كما أنهم في حاجة إلى تربية يسودها الرفق والرحمة والنصح والتوجيه وتوفير القدوة أمام الأبناء ليتمثلوها سلوكاً في حياتهم وفي أفعالهم، إن الأبناء في نفس الوقت يحتاجون إلى أن تفهم الأسرة نفسياتهم وأن تحترم مشاعرهم وأن تشركهم في القيام بالأعمال المفيدة النافعة وهي في حاجة إلى استخدام الشدة في وقتها من غير عنف أو قهر، وفي حاجة إلى مشاركتهم في اختيار أصدقائهم حتى نمنع أمامهم مسببات الجريمة. وفي حاجة قبل كل ذلك تربيتهم على مخافة الله في السر والعلن، فإن ذلك أيسر السبل لضبط السلوك في هذه الحياة وأقصر الطرق التي تسهم بها الأسرة في الأمن والأمان ومحاربة الجريمة وآثارها السيئة على المجتمع. |
|