قدِّر لي المشاركة هاتفياً، قبل أسابيع، في برنامج (الوسطية) الذي يعده ويقدمه الإعلامي سليمان العيدي، وكان محور الحلقة عن (حقوق الإنسان) ومدى مساحة وجودها في خارطة السعودية، نظاماً ومؤسسات مدنية،هكذا فهمت وعندما استمعت إلى (طقس) الحوار الصريح
****
عبر هاتفي المحمول، بين ضيوف البرنامج، سرّني وأثلج صدري مدى (الشفافية) و(المواجهة) الواعية بين ضيوف البرنامج، لم أقف موقف (المدافع) عن هذه التهمة التي تلاحقنا نحن السعوديين في كل مكان (هل لديكم حقوق إنسان؟) ما مساحة الحقوق في مؤسساتكم المدنية وقبلها -بالطبع- الحكومة؟
لكنني قلت وبالحرف الواحد: نحن لدينا إرث ديني عظيم، يضمن (الحقوق) من خلال ثوابتنا الشرعية، لكننا في بداية الطريق، لتأسيس ثقافة (الحقوق) بيننا كسعوديين ولنبلغ العالم أجمع بأننا نحترم (الإنسان) ونحفظ (حقوق المواطنين) رغم اعترافنا الصريح بالكثير من (الممارسات) الاجتماعية التي تخرج عن هذا الإطار، ومن خلال قربي من المشهد الثقافي والإعلامي، أصبحت مفردة (الحقوق) مؤخراً تتصف بالجاذبية لدى المواطن، بل لمست جهوداً متواضعة تحاول نشر ثقافة الحقوق بين المواطنين، وختمت مشاركتي بقولي: (التحدي الحقيقي أمام من يهتم بحقوق الإنسان لدينا هو العمل الجاد على (تكريس) ثقافة الحقوق بين مختلف شرائح المجتمع، ثم تفعيل تطبيق القوانين والأنظمة التي أنجزتها مؤسسات الدولة مؤخراً والتي تضمن سقفاً حقوقياً للمواطن والمقيم).
ولكن عندما بث التلفزيون السعودي، تلك الحلقة المثيرة، أُصبت بخيبة أمل، عندما وجدتها (نسخة) رديئة ولا أقول مزيفة عن الحلقة الأصل، حيث كانت (مسجلة) والسؤال الحق: متى نمنح برامجنا الفاعلة في التلفزيون، حقها من (البث المباشر) ومتى نرفع (سقف) الحرية المسؤولة، لتلك البرامج ومعديها ومقدميها، لنرقى ب(المشاهد) ونساهم فعلاً، في (جذب) العقول السعودية المفكرَّة للمشاركة في برامجنا، ونمنحها حقها الطبيعي في الحضور المباشر، ونقطع الطريق على تلك القنوات التي جعلت من قضايا المجتمع السعودي وأزماته محاور نقاش وجدل بيزنطي، بل صنعت من (المفكر) و(المثقف) السعودي (فخاً) تصطاد به المشاهد المحلي في إطار تسويقها برامجها الباهتة!!
البرامج المباشرة علامة على حياة للبث الفضائي أياً كان وهي في ذات الوقت، علامة (تميز) على النجاح الحقيقي في نشر (الأفكار) وصناعة (الرموز) الفكرية ونحن هنا في هذا البلد، نملك (مقومات) الحضور الفضائي الإيجابي، ولكن متى تخرج برامجنا الحوارية من قفص (تسجيل) إلى فضاء (مباشر).
يؤلمني جداً، عندما يصدمني أحد الإعلانات عن البرامج الحوارية، وأجد أن القضية تخص مجتمعنا السعودي والضيوف سعوديون ولكن القناة غير!!
والطامة الكبرى، عندما تتسمر العائلة السعودية، أمام أحد تلك البرامج، لتشاهد من يشخص واقعها الاجتماعي ويضع (الحلول) للخروج بها من أزماتها المختلفة، وهو بعيد كل البعد عن واقعها وإرثها الثقافي!!
أخيراً..
الوقوع في بعض (الممارسات) الخاطئة في نظر (البعض)، لا يعني الحكم على التجربة بالفشل، لذا متى ما منحنا (البرامج الحوارية) المباشرة حقها في الحضور، أسهمنا بشكل جاد، في قطع الطريق أمام هجرة (المشاهد السعودي) إلى تلك الفضائيات الغريبة على نسيجنا الاجتماعي وإرثنا الأخلاقي.