من المسلمات أن الاتجاه بالسيارة عكس السير من المخالفات الجسيمة التي قد تؤدي لحوادث مؤلمة تذهب بالأرواح والممتلكات، ومن أجل حماية مستخدمي الطريق من هذه المخالفة كانت عقوبتها كبيرة ورادعة، فما بالنا إذا كان السير عكس
الخطة الإستراتيجية للبلاد ومن قبل مسؤولين كبار، ألا يعتبر تصرفهم هذا مخالفة جسيمة بحق الوطن والمجتمع، ألا يستحقون المساءلة أو لنقل المناقشة على أقل تقدير؟ وألا نستحق نحن المواطنين تفسيراً مقنعاً لهذا القرار!.
لقد أعلنت حكومتنا الرشيدة عن الخصخصة كإستراتيجية لها لتوفير السلع والخدمات عالية الجودة للمواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة، وكما أوضحت خطة التنمية الثامنة وتبنّت منذ وقت مبكر استراتيجية إتاحة المجال للقطاع الخاص لمزاولة كثير من المهام الاقتصادية.
وقد كان لذلك أثره البارز في دعم نشاط القطاع الخاص وتطويره، وتعزيز أهمية القطاع في الاقتصاد، وتنمية قدراته، وتحسين كفاءته الاقتصادية بمفهومها الواسع (الاستثماري، والإنتاجي)، وقد مكّنه ذلك ليس على تعبئة رؤوس الأموال لتمويل المشاريع فحسب، بل على استخدام وسائل الإدارة الحديثة وتطبيق التقنيات المتطورة، وهو - كما تؤكد الخطة أيضاً - أدى إلى تحسن كفاءة أداء القطاع الخاص وتنامي قدراته الذاتية المتمثلة في ارتفاع درجة استقلاله عن التطورات في كلٍّ من القطاع الحكومي والقطاع النفطي في ضوء تأثر الأخير بالتقلبات الحادة أحياناً في أسواق النفط العالمية.
وقطاع الخدمات الصحية الذي يستهلك أكثر من 35 مليار ريال من ميزانية الدولة مقابل خدمات صحية يشتكي منها معظم المواطنون حتى أصبح العلاج يستهلك نسبة كبيرة من دخل المواطن الشهري، لاشك بأنه يعتبر من أهم القطاعات التي يجب خصخصتها من خلال خطة خصخصة إستراتيجية مرحلية واضحة ومحددة خصوصاً وأن الحكومة بصدد فرض التأمين الصحي على المواطنين بعد أن فرضته على المقيمين.
بعد أن أطلعت على قرار وزير الصحة د.
حمد بن عبدالله المانع بإيقاف العمل بجميع مراكز الأعمال المخصصة لعمل الأطباء الاستشاريين السعوديين العاملين في المرافق الصحية التابعة لوزارة الصحة اعتباراً من يوم الأحد 24-2-1429هـ، تساءلت كمهتم بالشأن الاقتصادي وبإستراتيجية الخصخصة على وجه الخصوص، هل تعتبر هذه الخطوة عكس السير؟
وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف ماذا أقرت الحكومة للمضي قدماً في خصخصة القطاع الصحي ثم التوجه الإستراتيجي لها في تنفيذ عملية التخصيص، ولقد اتضح لي بأن الحكومة قامت بإنشاء مجلس للخدمات الصحية برئاسة معالي وزير الصحة، ويضم ممثلين عن وزارة الصحة، والجهات الصحية ذات العلاقة. ومن الاختصاصات الرئيسة لهذا المجلس إعداد استراتيجية الرعاية الصحية في المملكة تمهيداً لاعتمادها من مجلس الوزراء ووضع التنظيم الملائم لتشغيل المستشفيات التي تديرها وزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى، حسب أسس الإدارة الاقتصادية، ومعايير كفاءة الأداء والجودة النوعية، وللأسف الشديد لم أجد أي إستراتيجية لغاية الآن رغم مضي سنوات طويلة على تأسيس هذا المجلس.
كما وجدت أن استراتيجية التنمية للقطاع الصحي تهدف للوصول بمستوى الخدمات الصحية في المملكة، وفي أسرع وقت ممكن، إلى مصاف الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة من خلال تحقيق جملة من الأهداف العامة منها تعزيز دور القطاع الخاص في توفير وتقديم خدمات الرعاية الصحية وذلك بالارتكاز إلى مجموعة من السياسات منها وضع التنظيم الملائم لتشغيل المستشفيات الحكومية على أسس اقتصادية، وتطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني، ودراسة تحويل ملكية بعض مستشفيات وزارة الصحة إلى القطاع الخاص، وللأمانة أقول لم أجد ما يشير إلى تعزيز دور القطاع الخاص ولم أجد أي دراسة لتحويل ملكية بعض مستشفيات وزارة الصحة إلى القطاع الخاص رغم صدور قرار مجلس الوزراء رقم (76) وتاريخ 22- 3-1423هـ بالموافقة على النظام الصحي الذي أجاز إمكانية تحويل ملكية بعض مستشفيات وزارة الصحة إلى القطاع الخاص.
فمن يقف وراء هذا التأخير، ولماذا؟! مع ملاحظة أن القرار يقول إن التحويل يكون بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير.
وإذا كان مجلس الوزراء قد أصدر قراراً منتصف عام 1422 هـ، بإنشاء (مراكز الأعمال) في المستشفيات الحكومية، لتقديم الخدمة الصحية بأجر عند الحاجة لعدة أهداف منها المحافظة على الأطقم الطبية والفنية السعودية من خلال توفير دخل إضافي لهم لتحسين أحوالهم، إضافة لتهيئة المستشفيات الحكومية للانتقال للقطاع الخاص، ونص القرار على ضرورة مراجعة تطبيقه من الوزارة والرفع للمجلس لاحقاً بالتوصيات، وإذا ثبت للوزارة بأن هناك مجموعة من السلبيات التي يمكن معالجتها بقليل من الجهد والصبر، فلماذا يتم إيقاف تلك المراكز بشكل مفاجئ ودون مقدمات وبسرعة كبيرة ودون الرجوع إلى مجلس الوزراء كما أوضح قرار الإنشاء؟ رغم أن هذا القرار لا يصب في مصلحة الخصخصة ويسير عكس التوجه الإستراتيجي للحكومة في قضية الخصخصة؟ وإذا تجاوزنا عن عدم الرفع لمجلس الوزراء، أليس الأجدى تطوير إستراتيجية مراكز الأعمال كأن تطور الوزارة العمل في مراكز الأعمال بالمناطق النائية لعدم وجود مستشفيات أو حتى عيادات خاصة.
لماذا لم نسمع عن الاستمرار بالعمل هناك لخدمة المأمنين تحت مظلة التأمين الإلزامي أم إن الوزارة اكتشفت أن إلزامية التأمين أمر غير مهم بعد هذه الميزانيات الكريمة والتي تضاعفت خلال عامين فقط!.
لماذا لم ترسم الوزارة استراتيجية تكاملية مع القطاع الخاص بحيث تقوم بتقديم خدمات متخصصة لا يستثمر بها القطاع الخاص حالياً مثل العمليات المعقدة، لماذا لم تخصص بعضا من مستشفياتها بدلاً من تأميم مراكز الأعمال.. أسئلة كثيرة وكبيرة أتمنى أن نسمع لها جواباً.
أخيراً، أود من وزارة الصحة أن تبين ما هو مصير الأطباء السعوديين الذين عملوا مع مراكز الأعمال هل سيسمح لهم بالعودة للعمل مع القطاع الخاص أم سيتركون ينتظرون زيادة المرتبات والتي طال انتظارها حتى شملت الأطباء المقيمين قبل المواطنين.
تنويه
قرأت تصريحاً لوزير الصحة في إحدى الصحف المحلية أشار فيه إلى أن سبب قرار إلغاء مراكز الأعمال هو حالة فردية تعرض لها أحد المواطنين. وهذا مع الأسف يؤكد صحة ما أوردته عن أن القرار جاء ارتجالياً وعاطفياً لم يتم الرجوع فيه إلى مجلس الوزراء، كما لم يتم الأخذ فيه بمصلحة قطاع كامل.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7842» ثم أرسلها إلى الكود 82244
alakil@hotmail.com