كُتب الحكماء والفلاسفة والمعلمين تحوي وصاياهم عندما يرحلون عن هذه الدنيا الفانية. والقارئ اللبيب المتفحص لتركة هؤلاء النخبة المستنيرة يستخرج وصاياهم ويعمل بها فينال خيراً.
وشيخنا ومعلمنا الذي نستعيد ذكراه العطرة هذه الأيام متزامنة مع أيام انعقاد مهرجان الثقافة والتراث الثالث والعشرين (الجنادرية 23)، ضمّن كتبه العديد من هذه الوصايا، إلا أن الذي نال الحظ أكثر، ممن حظروا مجالسه وكانوا قد حباهم الله بالبصيرة والعين اللاقطة والأذن المستمعة, لابد وأنهم قد التقطوا الحكمة من مجلسه واختزنوا وصايا الشيخ المعلم.
ولأننا نعيش أبناء الأمة العربية هذه الأيام أوضاعاً محرجة، تستدعي وحدة الكلمة، ولأن للكلمة حراسها ومطلقيها إما لفعل الخير، أو لاعتراضه، وأعني بهم المفكرين والكتاب والصحفيين الذين يتواجد منهم الكثير الكثير من أبناء لغة الضاد في بيت العرب (الرياض) التي تحتضن مناسبات ثقافية وفكرية, صنفت حراكاً ثقافياً وتواجداً دافئاً لأكثر من ألف مفكر وأديب، منهم من يشارك في فعاليات الجنادرية، وآخرون في فعاليات معرض الكتاب، ونفر في مهرجان المسرح، وضيوف كرام على جائزة الملك فيصل العالمية التي تحتفل بذكراها الثلاثين.
هذه المناسبات الفكرية والثقافية أحضرت للرياض كل هذا الرهط ممن امتطوا صهوة الكلمة وطوعوا الأفكار فنثروها إبداعاً.
أزهرت الرياض بهم وعشنا ونعيش معهم أزهى الأوقات فكان لزاماً علي أن أذكر بإحدى وصايا الشيخ المعلم المرحوم عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، الوصية التي يستنبطها القارئ الحصيف مما أرويه بما شاهدته وسمعته في مجلس الشيخ؛ فأثناء استقبال الشيخ المعلم التويجري بمنزله رهطاً من الأدباء، كان يعطي المجال لمن يريد أن يتحدث، وينصت الشيخ يستمع. تكلم أحد الحضور وهو أديب وروائي من مصر الشقيقة فأخذ يذم الزعيم الراحل عبدالناصر ظناً منه بأن مثل هذا الكلام يلقى آذاناً صاغية من السعوديين..
وقبل أن يسترسل أوقفه الشيخ المعلم، قائلاً: (يا ابني.. الرئيس المرحوم جمال عبدالناصر ذهب إلى ملاقاة ربه، وهو على كل حال قائد عربي خدم وطنه وأمته وله أعمال عظيمة ونحن هنا عندما يرحل الأموات لا نتحدث عنهم إلا بذكر محاسنهم... ونحن في هذه الأيام نحتاج لوحدة الكلمة... ووحدة الهدف... فليكن حديثك يعزز هذا المنهج).
بعض ممن يحضرون مهرجانات الرياض كانوا جلساء ذلك اليوم، والبعض سمع هذه الوصية وأعيدها للعمل بها والتمسك بها حباً بالشيخ المعلم ووصاياه ولأن حاجتنا لا تزال قائمة لوحدة الهدف.. والكلمة.
jaser@al-jazirah.com.sa