Al Jazirah NewsPaper Tuesday  11/03/2008 G Issue 12948
الثلاثاء 03 ربيع الأول 1429   العدد  12948
سأم الانتظار
د. عبدالله بن سعد العبيد

جلست معتاداً على تدوين ما يجول بخاطري ممسكاً قلمي المطيع، فقد مضى زمن ليس باليسير لم أخط فيه كلمة رغم كثرة ما جال ولا يزال بالخاطر من هواجس وشجون وأفكار، جلست متأملاً حالي التي وصلت إليها، مستعيداً ذكرياتي القريبة والبعيدة، باحثاً عن بداية أو لنقل نهاية لما يجول ويعبث بصندوق أفكاري حتى مللت.

ولفظ الليل أنفاسه وأخذ الفجر يبعث النور من الشرق فلا يكاد ذلك النور يصل إلى قبة الفلك حتى يتلاشى بين السحب الدكناء وبين الظلام المنحسر، ونهضت متكاسلاً أنظر إلى السماء فلم أجد النور واضحاً ولم أشاهد الظلام حالكاً، فرجعت إلى قلبي أتحسس ما فيه. لقد التمست فيه السرور فلم أجده بيناً، والتمست الألم فلم أجده بيناً. ما كان أشبه قلبي بتلك اللحظة من الزمن، تلك اللحظة التي يلتقي فيها الليل بالنهار فتتصارع الأنوار مع الظلمات. لقد أخذت أحس أنني على عتبة حدث لم أستطع تبيّنه، وبدأت أشعر أن نوراً جديداً أخذ ينتشر في ظلمة قلبي دون أن يتوضح لي أو ينجلي. فرجعت لسريري أستلقي عليه وعاودتني الأفكار حتى مللتها وملتني فأغمضت جفني وسبحت في نوم عميق لم أستيقظ منه إلا على صوت المؤذن.

إنها طبيعة الإنسان، يمل الانتظار ولكنه ينتظر ويسأم التريث بيد أنه يتريث، ولو أتيح له أن يدرك قبل إقدامه ما سيصرف من جهد وزمن لبلوغ هدفه الذي سعى إليه لحجم، ولكن من نعم الله على الإنسان أن الغيب لا تنحسر حجبه أمام العين الباصرة ولا تنقشع ستره أمام نور الفكر ووثبات الخيال.

يا سبحان الله، ألا تريد صور الماضي أن تتركني هانئ البال في هذه اللحظات السعيدة، كم حاولت نسيانها فأبت إلا أن تتعلق بأهداب خيالي، ذلك أنني خياليٌّ بالطبع، ومن كان خيالياً كان الخيال أكسير حياته، ومن كان الخيال أكسير حياته عاش سعيداً مغرقاً في السعادة أو تعيساً ممعناً بالتعاسة، إذ إن لكل خيال صورة ينسجها لنفسه من الانطباعات الأولى التي نشأ على رؤيتها وتربى على مشاهدتها، فإذا كانت تلك الانطباعات مشرقة حلوة، كان الخيال سعيداً وإذا كانت قاتمة حزينة كان الخيال تعيساً، فليس عجيباً والحال هذه أن يكون خيالي تعيساً ما دامت الانطباعات الأولى التي نشأ عليها وتغذى بها مؤلمة بحتة.

فتركت قلمي عاتباً ولسان حاله يقول: أنا من وقف معك وعبّر عن مشاعرك وآرائك وكل ما يجول بخاطرك، أنا من تحمل ترهات وإرهاصات كتاباتك دون ملل أو كلل، أنا من وقف إلى جانبك وأنصف دمعك، أنا من تحمّل ألم تنهداتك التي صدحت بها أروقة حياتك.

أسكته، في صمت رهيب يكاد يقطع أوصالي على أمل أن أستسمحه لاحقاً.



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد