لا يخفى على الكثير من المتابعين والمختصين حرص شرائح اجتماعية كبيرة وإعجابهم الشديد بالبرامج الجماهيرية المطروحة التي أخذت بالتزايد في الآونة الأخيرة ومنها المهتمة بالشعر النبطي أو الفصيح، ومع كل تلك الجماهيرية الطاغية على تلك البرامج إلا أنها لا تخلو - في نظري -
من السلبيات التي قد تقتل وتفتت تلك النجاحات الباهرة غير المسبوقة، وقد عملتُ على مسح بسيط عليها وعلى بعض القنوات الفضائية، وبعض المجلات الشعبية التي قد تستفيد من تلك البرامج لزيادة دخلها من خلال تغطياتها وغير ذلك فوجدت مؤشر النزعة القبلية قد أخذ بالتزايد بشكل قد يعيدنا إلى جوانب من العصر الجاهلي، ويعود بالوعي العربي إلى الوراء آلاف السنوات من خلال مسابقته في الشعر الشعبي، وهو الشعر الذي يتقاطع في أكثريته مع الوعي العربي المتراجع، إلى مرحلة التغني بأمجاد القبيلة (جريدة الوطن، للكاتب شتيوي الغيثي، الجمعة 15 صفر 1429هـ، العدد 2702)، وزيادة على ذلك الفخر بالأنساب ناهيك عن محدودية الموضوعات المطروحة وقلة ثقافة بعض الشعراء ونستثني من ذلك بعض الشعراء الموهوبين.
ونتيجة لما سبق ذكره فإني أرى طرح فكرة جديدة ومبتكرة سميتها (شاعر الأماكن)، والهدف الرئيسي من تلك الفكرة هو تنمية الملكة الشعرية الفصيحة أو النبطية مع تجاوز الأبعاد ذات الصلة بالتحيزات القبلية أو العرقية أو الاجتماعية، إضافة إلى أهمية الإبداع في وضع برامج جديدة، وفكرة البرنامج تنبعث عن طريق استقطاب أكبر عدد من الشعراء المبدعين من مختلف الدول العربية والقيام بعمليات الفرز المبدئي والتقييم من خلال لجنة نخبوية متخصصة، وتقوم الفكرة على عدة جوانب:
- تحديد مكان (موضع) معين في الوطن العربي الكبير ومطالبة المتنافسين بكتابة قصيدة عن ذلك المكان، ويطلب من المتنافسين وصف كل موضع وصفاً جغرافياً وتحديده تحديداً قدر الاستطاعة بحيث يمكّن للمستمع معرفته منسوبا إلى المكان الذي يقع فيه أو المدينة القريبة منها، وفق معايير محددة على أن تتم عملية التحديد للمكان بشكل عشوائي طلباً للحيادية، ومن الممكن وضع ما أسميه (بوصلة الأماكن الذهبية) لتحديد المكان المطلوب، وهذه البوصلة المبتكرة يوجد فيها جميع المعالم الرئيسية والرمزية عن كل موقع في عالمنا العربي والخليجي، والمحلي، مع قيام الفريق الفني للبرنامج الإرث الشعري الضخم الموجود عن ذلك المكان الذي يتم اختياره من إنتاج بعض فحول الشعراء، ومن الممكن على سبيل المثال الاستفادة من بعض الكتب الرائدة في هذا المجال ك(معجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر) لمؤلفه سعد بن جنيدل، حيث تحدث فيه عن أكثر من (130) موضعاً من الأماكن التي تغنى بها شعراء المعلقات في مجلد بلغ (627) صفحة.
- وفي نفس وقت بث الحلقة وبعد إلقاء الشعراء لقصائدهم عن المكان المحدد سلفاً يتم تحديد مكان جديد عن طريق البوصلة، ويطلب من كل واحد منهم أن يذكر الأبيات الشعرية التي قيلت في هذا المكان كنوع من الاختبار والقياس للمحفوظات الشعرية لدى كل شاعر ويعطى لذلك درجة معينة من التقييم.
- في المراحل المتقدمة يتم تحديد مكان معين أثناء الحلقة على أن يعطى الشعراء وقتا قصيرا (نصف ساعة مثلاً) بحيث يقومون بوضع أبيات عن ذلك المكان، وهذا بالتأكيد يمثل تحدياً كبيراً واختبارا دقيقاً لمدى شاعريتهم.
ومن الآثار الإيجابية المتوقعة لذلك البرنامج أنه سيعمل على زيادة مؤشر تغذية الروابط والصلة بين الشعوب العربية والخليجية، والبعد عن الزوايا الضيقة، والمظلمة.
ليس هذا تصوراً كاملاً، ولكنها خطوط فيها ملامح من (شاعر الأماكن)، ويمكن لنا في حالة تبني بعض القنوات الرائدة عرض الخطوط التفصيلية للبرنامج. والأماكن كلها مشتاقة لك.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7696 ثم أرسلها إلى الكود 82244
* كاتب وأكاديمي سعودي
zeidlolo@hotmail.com