يبدو أن استهجان العقول العربية والسخرية منها سلوك اتسمت به خطط الربح وأهدافه في بعض برامج الفضائيات..
وتطورت ولا تزال تزداد تنوعاً وابتكاراً صور هذا الاستهجان وهي ترتدي أزياء جاذبة مرصعة بأحلام الثراء والدخول إلى حاجات الفرد وسحق كرامته حين توضع له برامج ذات مردود مالي يفوق مئات الألوف بل يتخطاها إلى عشرات الملايين...
والفرد العربي الذي يقع تحت طائلة الفقر والحاجة ومواجهة شح ذات اليد يتخبط بين رغبته في ممارسة حياة طبيعية يستطيع فيها بيسر أن يتزوج ويسكن ويكتسي ويُطعم ويُسقى وبين عجزه عن تحقيق أيسر صور هذه الحياة فهو إن وجد وظيفة فبصعوبة يكون في أمانها ويتطلع لترقيات فيها تؤمن له السكينة...
وإن وجدها فهي غالباً لا تسد له أيسر متطلباته وأكثرها إلحاحاً في حياته اليومية إذ لا تسد إيجار بيته ولا تمكنه من حفظ ماء وجهه دون أن تمتد يده للقريب أو البعيد فإن بلغت به الكرامة منزلاً فهي أن تدفعه للاقتصار على لقيمات يؤدْنه وينصرف عن أهم دعامات الحياة الزواج والذرية والبيت السكن والراحة...
لذلك نفذت هذه البرامج لوريد مشكلاته هذه وتسربت لشريان نبضه وأخذت تدر لعاب حاجاته بالمبالغ الكبيرة التي تغريه بقائمتها وتهون عليه يسر الدرب إليها فلا أكثر من التوجه للإجابة عن بعض أسئلتها أو التسجيل في وقت تتيحه ليكون خلف هاتف هو من يدفع ثمن مكالمته لتصب في خزينة البرامج أو يسافر لحيث تعقد حلقاتها فيكون ممن حقق لها عدد حضور ويخرج منها خاسراً من جيبه إذ لا يمكن والعقل هو الشاهد أن تكون الملايين من نصيب جميع الحضور وهناك عند المواجهة تبدو الشروط قيوداً...
وتلون في نفسه الهزيمة على أنها مكسب إذ يكون قد شارك بالحضور والتقى مشاهير الإعلاميين ..فيما هو عائد بخفي حنين...
أما أولئك الرابحون الندرة فغالباً ما يحققون شيئاً وإن حققوا فقد قدَّموا في مقابله بسط الحالة وشرح المسألة والله يحب الستر ويدعو للقناعة والحمد والسعي الحلال في صمت وعزيمة...
ما هذا الاندحار القيَمي الذي تنافست فيه الفضائيات...؟
برفع مؤشر المليون للعشرة بعد المليونين؟
وبتقديم مرتب مدى العمر مقابله الإجابة عن دقائق الحاجة...
أو زج الفرد في لعبة غامضة من أجل المكسب بعد قرار مخطط له ألا يتحقق على قلب واحد للمجموعة المشاركة...؟
أي استهتار بمشاعر وعقول الفرد العربي...؟
وأي استهجان بهذه العقول...؟
وأي محكات قاسية للحاجة البشرية...؟
فيما تتكاثر أرصدة هذه البرامج عن كل مهاتفة يريد بها فرد المشاركة والفرصة لأحلام فسفورية خاطفة للتروي وحكمة الوعي عنده يُخطط لها أصحاب هذه البرامج...؟
من يوقف هذا المد الخطير الذي يهيمن على الفكر التجاري في فضائيات عربية...؟
من يفعل في الوقت الذي تشكو فيه الشعوب العربية الفقر والحاجة والبطالة وقلة فرص الحياة الهنيئة...؟
بينما الفضائيات تتلاعب بالأرقام من الألوف لعشراتها ومئاتها وملايينها...
ولماذا لا توظف هذه الملايين إن كانت فائضة في بناء وحدات سكنية للمحتاجين أو رفد كل المحتاجين الذين يتهافتون على خراش...؟ أو تكون في خدمة خطط التنمية البشرية لدى الشعوب المحتاجة أو الأفراد المعوزين...؟
أليس الفرد العربي والمسلم تحديداً ضمن كفالة التآخي الديني أو العربي...؟
إن هذه البرامج على ما هي عليه عبث لابد من التصدي لها على خططها الراهنة...
أما تحقيق المحكات الثقافية والمعرفية ومستوى الذكاء لدى الأفراد المشاهدين فيمكن أن تخطط لها برامج أخرى لا تضع السم في الزيت...
إن كان هناك من هذه الأهداف شيئاً في هذه البرامج الراهنة...