كنت في طوارئ أحد مستشفيات شمال الرياض الخاصة.. وأثناء انشغالي مع طفلي وقياس حرارته إذا ثمة صوت يأتي من خلف الستارة..
امرأة تجيب عن أسئلة الطبيبة..
هل سقطتِ من دور عالٍ؟
لا..
هل أصبتِ في حادث سيارة؟
لا..
هل ضربك أحد من أفراد أسرتك؟
لا..
إذن مماذا هذه الكدمات وهذه الضربات وهذه التورمات؟
وبعد محاولات قالت..
زوجي.. وهذه ليست أول مرة.. لكنه هذه المرة ضربني (بالعجرا)
الطبيبة.. الو.. إيه..
عصا كبيرة جداً..
.. عادت الطبيبة لينخفض صوتها.. هل تريدين أن نسجل أقوالك ونبلغ عنه؟
قالت المرأة.. لا أدري.. لا أدري ودخلت في موجة بكاء حادة..
ذهبت الطبيبة.. وساد صمت موجع خلف الستارة..
ثم عادت الطبيبة لتقول لها:
إذا كان لديك نية أن تعودي إليه فلا تبلغي.. سنعالجك وتخرجين..
وإن كنت قررت الانفصال وليس بينك وبينه أطفال فبلغي عنه.
صمتت المرأة..
وكدت أفتح الستارة لأقول لها.. بلغي..
لكنني خشيت التدخل في خصوصيات لا يحق لي أن أستمع إليها مجرد استماع!
عولجت المرأة وخرجت.. فلم تكن تحتمل الطلاق وآثرت الستر والصبر على قهر الزوج من أجل الأطفال مثل ملايين النساء في العالم..
** قلت للطبيبة..
دورك أن تبلغي بمجرد اكتشافك لعنف أسري وليس من حقك سؤال المريضة عن الرضا والقبول..
قالت.. لو فعلنا ذلك.. فستموت النساء من الضرب ولن يؤتى بهن لنا كي نعالجهن.
كانت سوداوية جداً.. أم واقعية.
** الأطباء أمام هذه الحالات في مأزق كبير.. خاصة في ظل النقص للمؤسسات المدنية التي ترعى النساء والأطفال وتؤويهم في حالة الخطر وتبعدهم عن أسرهم التي تسببت في إيذائهم..
** رزان الطفلة التي روت حكايتها (الجزيرة) في عددها يوم أمس الأول.. هي مأساة اجتماعية تكشف عن حاجتنا لبرنامج مقنن يُعمم على كافة المستشفيات ويلزم الأسر بقبوله ويتيح للأطباء حق التحفظ على المرضى المشتبه بتعرضهم لإيذاء أو عنف..
** لا بد أن نتعرف بأننا لم نعد ذلك المجتمع البسيط الذي نتمكن من حل إشكالاته بالاجتهادات الشخصية لقد استحال مجتمعنا إلى مجتمع شديد التعقيد والمتغيرات الثقافية أحدثت ارتباكاً أخلاقياً لا بد من مواجهته بالردع والقانون.