أقام المهرجان الوطني للتراث والثقافة مساء يوم الخميس 28 صفر 1429 هـ ندوة عن المرحوم معالي الوالد الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري. وقد كان لي شرف حضور هذه الندوة تكريماً ووفاءً لشخصية المكرم.شارك في هذه الندوة معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي ومعالي الدكتور محمد الأحمد الرشيد والأدباء الدكتور حسن العلوي والأستاذ عرفان نظام الدين والشاعر يحيى السماوي
وأدار الندوة سعادة الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري، لقد كانت مبادرة طيبة من المهرجان أن يقيم هذه الندوة، ذلك أن معالي والدنا المرحوم يستحق أكثر من ندوة وأكثر من تكريم وفي مجالات عدة،
لقد بذل المشاركون جهوداً مشكورة لإعطاء المكرم حقه، وقد تراوح المعين الذين غرف منه المشاركون - في نظري - بين بحيرة عذبة صافية ماؤها متدفق متجدد، وبين نقعة ماء ضحلة، ومع ذلك لكل منهم الشكر والتقدير، وأرى أن حضورهم وقبولهم المشاركة بما يحملونه من معرفة وفاءً وتكريماً وتقديراً لمعالي المرحوم، وإذا كان من لوم فعلى إدارة المهرجان والمشرفين عليها التي لم توفق في اختيار مشاركين آخرين إضافيين أو بدلاء للبعض لديهم تجربة أطول، ومعرفة أعمق عن شخصية الندوة، وعلى سبيل المثال معالي الأستاذ عبدالعزيز العلي التويجري وكيل الحرس الوطني سابقاً الذي عمل مع المكرم قرابة ستة عشر عاماً، والدكتور عبدالرحمن بن سبيت السبيت الذي عاصر معالي المرحوم لمدة ثلاثة وعشرين عاماً وتزيد، ومعالي الأستاذ فيصل من عبدالرحمن بن معمر الذي عمل مع المرحوم لمدة لا تقل عن ذلك، كان معالي المرحوم مع هؤلاء يومياً وكان رحمه الله يمارس أمامهم مهامه الشخصية، والمالية والإدارية، الثقافية والاجتماعية والسياسية، الندوة تطرقت بعجالة سريعة إلى الكثير من المجالات التي عمل فيها المذكور، والتي تمس نشأته وشخصيته وعصاميته، ولكن الندوة لم تتطرق إلى أمور كثيرة وبخاصة تلك التي مارسها في الحرس الوطني وهو الجهاز الذي قضى فيه ما يقارب الستين عاماً من عمره من هذه الموضوعات:
1- الظروف التي جاءت به إلى الحرس الوطني في عام 1381هـ وكيف تعامل مع رؤساء الحرس آنذاك ومع موظفين كان بعضهم لا يرغب فيه.
2- كيف أدار الحرس الوطني إدارياً ومالياً في ظروف مالية شديدة وشحيحة وإدارية صعبة.
3- تعامله مع منسوبي الحرس الوطني رؤساء وموظفين وعسكريين ومراجعين من مختلف الفئات والقبائل والتجارب والثقافات وكيف استطاع النجاح معهم وتلبية رغباتهم.
4- قدرته في الحصول على ثقة جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وهو رجل صعب المراس لا يمنح ثقته بسهولة ويسر، وكيف استطاع المحافظة على هذه الثقة بل وتنميتها وجعلها مستمرة ونامية على مر السنين.
5- مساهماته في تنفيذ وحمل توجيهات جلالة الملك عبدالله في تطوير الحرس الوطني عسكرياً وإدارياً وثقافياً ومهنياً بحيث أصبح الحرس الوطني كما أراده قائده (قوة ضاربة في الداخل والخارج) ومشاريعه مضرب المثل في الإسكان والخدمات الصحية وفي المعاهد والكليات وفي التدريب والانتظام والجاهزية وفي مجالات أخرى عديدة.
6- قدرته الفائقة على معرفة الناس من بادية وحاضرة وإعطاء كل فرد ما يستحقه من التقدير والاحترام. وقدرته على تذكر الأسماء والمواقف.
7- قدراته على حل مشاكل المراجعين سواء كانت لدى الحرس الوطني وتحت إشرافه أو لدى أجهزة أخرى من الدولة أو حتى لدى أشخاص وأفراد، كل ذلك دون كلل أو ملل أو إخلال بمكانته ومسؤولياته.
8- حرصه طيلة حياته على الحضور مبكراً وقبل سائر الموظفين إلى الدوام، ومباشرة حل قضايا الناس، والبت في المعاملات التي تحتاج إلى توجيهاته أو موافقته على ما يعرضه الوكلاء أو المديرون العامون، وننظر في هذه القدوة الحسنة ونقارنها مع أداء كثير من مسؤولي الدولة اليوم.
9- طريقته المميزة في فتح أبواب مكتبه وقاعة اجتماعاته على مصراعيها واستقبال كل من أراد الدخول، وجعل التواصل مع هؤلاء مستمر، والبت في الأمور الإدارية والمالية وتوقيع الخطابات والمحاضر والناس من حوله.
10- حرصه - رحمه الله - على إطلاق السجناء عند دخول شهر رمضان المبارك وحلول أي من العيدين، وتحمل المسؤولية في ذلك والنظر إلى السجن بأنه عقاب لا يتحمله المسجون فقط بل كافة أفراد أسرته، وقد يدفع أفراد الأسرة ثمناً باهظاً لسجن وغياب والدهم.
11- تعامله مع من يسيء إليه بقول أو عمل سواء كان عاملاً معه أو من غير العاملين وعدم اكتفائه بالعفو عنه بل الذهاب إلى مساعدته والوقوف معه.
12- قدراته - غفر الله له - في التعامل مع مشاكل الحرس الوطني وبخاصة المالية منها وطرق حله لهذه المشاكل مع وزارة المالية والاقتصاد الوطني وبخاصة في الظروف العصيبة، وأذكر أن مكافآت المتقاعدين من العسكريين في الحرس الوطني تراكمت بسبب عدم وجود بنود لصرفها وقد استطاع رحمه الله حل هذه الأمور بتوجيهات جلالة الملك حفظه الله.
13- حرصه - رحمه الله - على ستر عورات من تغلب عليه نفسه الأمارة بالسوء حيث يتصرف عند ورود معاملات في هذا الشأن على لفت نظر أو تأديب المعني بالأمر دون أن يسمح لهذه الزلة أن تخرب بيته وتهدم كيان أسرته.
14- محبته لهذا الوطن، ولموحد هذا الوطن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه، وحبه للملوك من بعد المؤسس غفر الله لهم جميعاً وللملك عبدالله وكافة أفراد الأسرة المالكة الكريمة. وحب هذا الشعب الوفي والتفاني في خدمة الجميع بإخلاص وأمانة ومسؤولية.
15- قدراته في الكتابة والتحرير وهو الذي لم يتعلم في مدرسة ولم يتخرج من جامعة بحيث ملك زمام الكلمة، يصوغ الخطاب في أسطر بسيطة في معان عميقة، ومفردات جميلة وكم تمنى حملة المؤهلات العليا وكاتب هذه السطور منهم أن يكون له شيء من هذه القدرات.
16- التواضع والزهد والبساطة الذين كان لا يدعى بهم فقط ولكنه يمارسهم فعلاً يرى نفسه ابن القرية الذي لم يتعلم ويتصرف على أنه الموظف البسيط المكلف من قبل ولي الأمر بخدمة المواطنين.
17- نظرته للأنظمة على أنها وضعت لتيسير مصالح الناس وحل قضاياهم والتهوين عليهم، والانطلاق من هذه النظرة إلى حل القضايا والأمور لكن دون أن يكون في ذلك مخالفة صريحة أو مضرة للدولة.
18- حرصه - رحمه الله - على عدم تعطيل قرارات الناس ومعاملاتهم وكان يحضر يومياً إلى المكتب، وإذا ما اضطره أمر إلى الغياب فإما أن يتصل بمن يقوم بعمله ويعمده في إنجاز معاملات الناس أو إحضار المعاملات إلى المنزل لكي يبت بها في نفس اليوم، ولننظر اليوم لمن يعطل المعاملات ليس لأسابيع بل لشهور ونقارن الماضي بالحاضر.
19- اهتمامه بترقية الموظفين المستحقين للترقية واعتماد وظائف لهم، والمنافحة مع وزارة المالية في ذلك، وحرصه على أن تكون الترقية حسب الأحقية والأولوية، وقد شكل لجاناً لذلك لتحقيق العدالة قبل أن تصل إليه الأمور.
20- تحمله المسؤولية عمن تلم به الظروف وتلجئه إلى الاستقالة وترك العمل. كان - رحمه الله - يتحقق من ظرف الموظف العسكري أو المدني ثم يناقش معه السبل لحل هذه الظروف دون أن يفقد الموظف وظيفته، وكان في بعض الحالات يتوسط لدى المسؤولين ومديري الأفواج في هذه الأمور.
21- كان - رحمه الله - رحيماً ومناصراً للضعفاء والمساكين وتقديم المساعدة لهم من جيبه الخاص أو تمكينهم من مقابلة جلالة الملك عبدالله حفظه الله ومن ثم متابعة توجيهات جلالته بخصوصهم.
22- وقوفه - رحمه الله - مع من وقع عليه دم نتيجة خطأ، كان يتقصى عن الوقائع ويعد مرئياته في ذلك ويرفعها إلى جلالة الملك عبدالله وكم من رقبة سعى فيها ونجح في الحصول على عتقها - راجياً أن يعتق الله رقبته من النار.
23- تعامله مع الأدباء والمثقفين من داخل المملكة وخارجها، وحرصه - رحمه الله - على الاجتماع بهم سواء كان بالداخل أو الخارج، وحل قضاياهم وتحقيق طلباتهم.
24- كرمه - رحمه الله - بحيث لا يكاد يمر أسبوع دون أن يحل عليه ضيف في منزله ورحابه. هذه عادة كان عليها أيام حياته في المجمعة وحملها وحافظ عليها طيلة حياته.
25- إدارته لاجتماعات اللجنة العليا للحرس الوطني التي كانت مخولة لدراسة وحل القضايا الأساسية في الحرس الوطني، وكذلك إدارته لاجتماعات اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة وإدارته لاجتماعات مجلس مكتبة الملك عبدالعزيز العامة نيابة عن جلالة رئيس المجلس وطريقته - رحمه الله - في معالجة الآراء التي تطرح، والقضايا التي تثار والتوصل إلى توصيات وقرارات تخدم المصلحة العامة. هذه وقفات سريعة استحضرتها الذاكرة في عجالة من الزمن بعد خروجي من ندوة تكريم معالي الوالد والشيخ الجليل المرحوم عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، ولاشك أن هناك عشرات بل مئات الوقفات، فالمواقف والوقفات مع تلك الشخصية الفذة المميزة لا تنتهي وكل وقفة أو موقف يحتاج إلى شرح وإيضاح. والأمل معقود في أن يقوم أولاد المرحوم بالانطلاق من هذه الندوة التي أقيمت واستكمال نواقصها ممن له علاقة وثيقة بالمرحوم كما ذكرت في بداية هذه الوقفات، وإخراج كتاب أو كتب تدون لنا مسيرة المرحوم العطرة تكريماً له وتقديراً، وإضاءة ودروساً لنا نحن أبناؤه وتلاميذه، وهدى ونبراساً لمن يكلف بالعمل في الدولة.رحم الله أبا عبدالمحسن وأسكنه فسيح جناته، والله الهادي إلى سواء السبيل.
وكيل الحرس الوطني وعضو مجلس الشورى سابقاً