تواصل المملكة في علاقاتها مع الأشقاء والأصدقاء حرصها على أن تكون على مسافة قريبة وواحدة من الجميع، ضمن سياسة حكيمة علّمها الملكُ عبدالعزيز لأبنائه، بعد أن رسم خطوطها الأولى لهم مع توحيده لأرض الوطن، وظل في حياته ملتزماً بهذا النهج إلى أن انتقل إلى رحمة الله، وهي السياسة المعاصرة ذاتها التي نأت بالمملكة بعيداً عن الخلافات والصراعات مع غيرها، وبفضلها جنبت المملكة وإلى اليوم الانزلاق في المحاور والتكتلات العبثية، في تجربة فريدة تخلو مما يخدش تاريخها، أو يمس بسوء ومضاتها الإيجابية المشرقة.
***
وعلى هذا الطريق، وبهذه السياسة، ومن خلال هذه الرؤية، حافظت المملكة على تجربتها، واستثمرتها خير استثمار لصالحها ولصالح أشقائها، ووظَّفتها أحسن توظيف؛ من أجل خدمة الأمة والانتصار لقضاياها والدفاع عن حقوقها، بما لا يمكن للمرء إلا أن يقف احتراماً وتقديراً لهذا النهج في العلاقات الدولية التي تحترم الآخر دون تفريط بحقوق لها أو مصادرة حقوقٍ لغيرها.
***
واليوم إذ يزور سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز الشقيقة دولة قطر، وإذ يجتمع بسمو أميرها الشيخ حمد آل ثاني، وإذ تُعقد الاجتماعات واللقاءات والمباحثات بينهما استكمالاً للقاءات والزيارات السابقة، فلأن المملكة وقطر يجمعهما - وبأكثر مما يفرقهما - هدف واحد ومصير مشترك، وأن ما قيل أو ما سيقال لا يعدو أن يكون نوعاً من الكلام الذي لا يمس الجوهر ولا يؤثر على المسيرة التاريخية من العلاقة المتميزة بين الشقيقتين المملكة وقطر، وأن مثل هذه الزيارة التي يقوم بها الأمير سلطان إلى دولة قطر إنما تأتي كما لو سموهما أرادا أن يختصرا لنا الإجابة عن أي سؤال حول العلاقة السعودية القطرية التي تتميز الآن بصفاء وتعاون وفَهْم مشترك بأكثر مما كانت عليه هذه العلاقة الثنائية من قبل وإن صاحبها أحياناً تباين في وجهات النظر دون أن يمس الثوابت.
***
والذي يراهن على إمكانية انفراط تماسك العلاقة التاريخية بين المملكة وقطر، إنما هو كمن يراهن عن جهل على أن هذا النسيج من العلاقة الأسرية بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين لا وجود له أساساً، بينما يعرف القاصي والداني أن القواسم المشتركة بين بلدَيْنا أكثر من أن تُحصى أو تُقدَّم قائمةٌ بها، وأن دخول أطراف أخرى بقصد التشويش على خط العلاقة السعودية - القطرية، هي محاولات محكوم عليها بالفشل والارتداد إلى مصدرها دون أن تمس أو تؤثر على وعي وحكمة وبُعد نظر قيادتي الدولتين والشعبين الشقيقين.
***
وإنَّ الحديث حين يكون عن العلاقة السعودية القطرية فلا بد من التأكيد على أنها أكبر وأهم وأعمق من أن تكون صيداً سهلاً للحاقدين والموتورين وأعداء الدولتين؛ فمنطقتنا بعمومها تمرُّ الآن بأحسن حالاتها؛ ما يتعارض ويتناقض مع ما يفكِّر به هؤلاء؛ وكل هذا بفضل سداد وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخيه الشيخ حمد آل ثاني وسمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، بينما تمرُّ دولٌ أخرى من حولنا وعلى امتداد العالم بحالات من الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار أمنياً واقتصادياً وسياسياً؛ الأمر الذي يجعلنا نتوقف عند هذه الرؤية لننظر من خلالها إلى الأهمية التي تكتسبها زيارة الأمير سلطان إلى دولة قطر، وما هو متوقع أن تسفر عنه من نتائج.
***
وبالتأكيد، فإن مثل هذه الزيارات المتبادلة - لاسيما الأخيرات منها - ضمن منظومة التواصل بين الأشقاء، وبخاصة بين مَن يربطهم النسب والجوار المشترك، والعلاقة الضاربة في أعماق التاريخ، إنما تأتي لمواجهة المستجدات إقليمياً ودولياً بالمراجعة والتفاهم وأخذ القرار المشترك المفيد للطرفين من جهة ولدول منطقتنا وبقية الأشقاء من جهة أخرى، ضمن متطلبات المرحلة الحالية بما في ذلك خدمة الشعبين الشقيقين والمحافظة على المكتسبات التي حققتها دولنا من خلال برامجها التنموية الطموحة التي استُثمر في تنفيذها وإنجازها بلايين الدولارات من عائدات النفط في كل من المملكة وقطر.
***
وإلى أن يُعلَنَ البيانُ الختاميُّ عن زيارة الأمير سلطان لقطر؛ ليُعرفَ ما تم الاتفاق عليه ثنائياً وعربياً ودولياً بين سلطان وحمد، فنحن من الآن على يقين بأن مثل هذه الزيارة ومع هذه الجولات الجديدة من المباحثات بين المملكة وقطر سوف تشهد المزيد من التعاون والكثير من التفاهم على كل ما يعزز من استقرار منطقتنا ويحقق لها أهدافها الطموحة، وأن أي مزايدات أو تخمينات أو توقعات لذوي النظرات الضيقة والأهداف المشبوهة عن العلاقات بين البلدين لن يكون لها معنى أو مكان أو قبول.