أقطع سلسلة ما بدأته عن (قمة دمشق) والظروف التي تحيط بها وتلاحقها قبل انعقادها، للكتابة عن إنسان نبيل فقدناه كتّاباً وقراء، كاتب جنَّد نفسه لخدمة قضايا أمتنا العربية، ووضع قلمه وفكره لخدمة هذه القضايا وفق وجهة نظر حظيت بتقدير واحترام الكثيرين.. الأخ الصديق العزيز أحمد بن عبدالله الربعي -الذي انتقل الى رحمة الله ان شاء الله الأسبوع الماضي- هو بالنسبة إلي أخ عزيز عايشته إبان الانطلاقة الأولى لي كصحفي، وقبل ذلك كان صديقاً وجاراً في منطقة المرقاب في الكويت.
الذي لم يقترب من أبي قتيبة لا يعرفه على حقيقته، ذلك الإنسان الأكثر من نبيل الذي تفوق مشاعره الإنسانية جسمه النحيل الذي لازمه منذ الصغر، أحمد كان كثير الحركة، نشطاً، يقوم بأكثر من عمل في وقت واحد، كان أوسط إخوانه؛ فقبله علي وعبدالعزيز، إلا أنه كان من يرعى ويهتم بالاخوان والاخوات الثلاثة بعد وفاة الوالد الشيخ عبدالله الربعي، الرجل الذي قدم من بريدة في القصيم وأصبح منزله عنواناً لأهل القصيم القادمين لدولة الكويت.
لا أتكلم عن المفكّر أستاذ الفلسفة الذي بدأ دراستها في جامعة الكويت وأنهاها دكتوراً من جامعة هارفرد، بل أكتب عن إنسانية أبي قتيبة كما عشتها معه في بيتنا المقابل لبيت الربعي في المرقاب، ولا في جولاته الليلية وهو يقود سيارته (اللادا) السيارة الروسية التي لا يقتنيها إلا البسطاء ومحدودو الدخل، ليس لأن أحمد الربعي لا يملك المال لشراء سيارة أفخم، بل لأنه دائماً يحب أن يكون قريباً من الفقراء، وكانت تلك السيارة تئن من كثرة تحرك أحمد، الذي يختم يومه بالتجول في شوارع الكويت لنقل البسطاء وإيصالهم إلى منازلهم مجاناً في الصيف، وفي الكويت الصيف لا يطاق وأنت تركب سيارة لادا من دون تكييف، يحرص على التقاط المتقطع بهم السبل لإيصالهم!.. وبعد (مشاوير) الليل يحط به الرحال عند مطعم عدن أمام مخفر شرطة المرقاب، حيث كان يتبسط ويتناول المأكولات الشعبية مع عمال يمنيين كادحين فعلاً.
منذ دراسته في جامعة الكويت ومن خلال البيت رقم (1) في السكن الجامعي في الشويخ كان أحمد يدس الدنانير بيد المحتاجين من الطلبة المغتربين, وكانت أسرة عراقية من أصل نجدي تسكن قبالة منزل أسرته، عجز معيلهم وحوصروا بالمشكلات المالية لكثرة أولاده ولعفة نفسه لم يطلب العون من أقاربه.. إلا أن عين أحمد اليقظة التقطت حاجة الرجل فكان يرسل المال ويقدم المساعدة عن طريق والدته الكريمة وأخته الحنون.
أخيراً وإذا كان لأحد فضل بعد الله فيما وصلت اليه بمهنة الصحافة، فلأحمد بن عبدالله الربعي الفضل الاول لأنه هو من أخذني، وقدمني لاحمد الجار الله طالبا تعييني محرراً بجريدة السياسة قائلاً: إليك واحد من أبناء بريدة (بلدياتنا) قالها بالمصري، ضحكنا ثلاثتنا.. ومن يومها اصبحت صحفياً.. لأكتب معزيا نفسي قبل الاخرين.. لأن أبا قتيبة أخي وصديقي.. وزميلي.. وانا جزء من نتاجه الفكري وان لم اتطابق في كل ما يراه.. كما لم أصل إلى مساحة إنسانيته.
jaser@al-jazirah.com.sa