تكاد لا تخلو خطبة من الخطب إلاّ ويقوم الإمام بالدعاء على اليهود والنصارى - دون استثناء - والطلب من الله سبحانه وتعالى أن نهزمهم ونسبي نساءهم ونأخذ حلالهم غنائم لنا! ولا أدري كيف سنهزمهم ونحن لم نعدّ العدّة كما طلب الله منا ذلك!
ومع أنني أتمنى أن نهزم اليهود في فلسطين ونحررها من أيديهم! وأيضاً أتمنى هزيمة أية دولة تعتدي على دولة عربية أو إسلامية وتحتلها، ولكن هل المفترض أن ندعو الله أن يهلك ويدمِّر كلَّ اليهود والنصارى حتى الذين مثلاً استوطن أجدادهم منذ مئات السنين في آسيا أو أفريقيا، أو في تلك المناطق التي احتلها المسلمون الأوائل وتركوا اليهود والنصارى يعيشون في أمان الدول الإسلامية، ولم يقتلهم أجدادنا ولم يسبوا نساءهم، بل عاملوهم بالحسنى لنأتي نحن لندعو الله أن يخسف بهم الأرض!!
هذا الدعاء المخصوص لليهود والنصارى، وتدمير دول بكاملها حتى وإنْ كان فيها مسلمون! يتنافى كلياً مع قاعدة إسلامية تقول إنّ الإسلام صالح لكلِّ زمان ومكان! لأنّ هذا الدعاء لا يمكن نقله حرفياً والصدع به في باريس أو لندن أو روما، أو أي مدينة أمريكية مسيحية سمحت للمسلمين ليؤدوا شعائرهم الدينية كما يحبون، بل وسنّت القوانين التي تحمي حريتهم الدينية! بل إنّ ذلك الدعاء لا يصلح أن يقال حتى في بلدان عربية بها أحياء تكتظ بأهل البلد المسيحيين!! وهل من رجاحة العقل الصدع بذلك الدعاء ليسمعه جيران المسجد إذا كانوا غير مسلمين، وهم الذين رضوا بحكم المسلمين لهم، وحفظ الإسلام لهم حقوقهم وكرامتهم وهم مواطنون لهم كامل المواطنة في بلدانهم العربية!
يوجد بالتأكيد يهود ونصارى معتدين على الإسلام والمسلمين، والحرب الصليبية أكبر شاهد على ذلك سواء الحرب القديمة أو الجديدة! ولكن لماذا لا نخصص دعاءنا فندعو على (المعتدين) من اليهود ومن المسيحيين وغيرهم إذا كان لا بدّ من الدعاء الذي لم نفكر أبداً أن نقرنه بالعمل الإيجابي البنّاء الذي ننصر الإسلام به!! كما أنّ هناك أعداء لنا من بني جلدتنا، فالذين يقتلون المسلمين في العراق وأفغانستان بالسيارات المفخخة هم مسلمون، ولقد عانينا في هذه البلاد من الإرهابيين الذين قادهم فكرهم الضال لقتل الآمنين من مواطنين وغيرهم!
وهل سمعنا أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما (أمن) نصارى القدس على شعائرهم وممتلكاتهم، وسمح لهم بممارسة شعائرهم، صعد المنبر في الجمعة التالية وراح يدعو عليهم بأن يهلكهم الله! .. ثم إنّ من شروط الدعاء لكي يستجاب، أن يوافق السنن الكونية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى، فالله خلق الخلق مسلمين ونصارى ويهوداً وبوذيين وسيخاً ومئات الطوائف والمذاهب الأخرى، فلماذا نريد أن يخلي الله الأرض من خلقه ما عدانا نحن!! لله حكمه في ذلك، فلماذا لا ترضينا هذه الحكمة الإلهية! ثم لماذا لا نكون نحن قدوة للعالم في أخلاقنا وتصرفاتنا لننشر الإسلام بينهم كما فعل المسلمون الأوائل عندما نشروه بروعة أخلاقهم! وعوضاً عن تعزيز الشعور بأنّ الآخرين ضدنا يجب أن نعمل على إيقاظ روح العمل والتعليم لدى شبابنا، وعلى استقامتهم وبناء أوطانهم بالإيمان والعمل والعلم، وتوجيههم إلى أن ينخرطوا في التصنيع وبناء المشاريع الاقتصادية التي تنفع الأمة، بدل أن نخرج أجيالاً لا يتقنون إلا فنون الدعاء المسجوعة على الآخرين .. نحرضهم ونملأ قلوبهم حقداً وكراهية! معتقدين أنّ (قوّتنا) ستأتي فقط عندما (يهلك) الله جزءاً من خلقه لتخلو لنا الأرض! .. متى نعرف أنّ العالم الآن يختلف عن عشرين أو أربعين سنه مضت، عندما كنا نقول ما نقول ولا أحد يعرف عنا شيئاً، فالكلام الآن بالفضائيات أو بخطب الجمعة محسوب علينا وهناك من يترصّد لما نقول ، لهذا فمن الأفضل ألاّ نسيء لديننا ولا بلادنا ولا حتى لمسلمين لا يعترف بهم البعض وهم بالملايين يعيشون في بلاد مسيحية سواء من أهلها أو من المهاجرين إليها ولا يدعو عليهم أحد هناك! .. مدارك الناس ومفاهيمهم تغيّرت والزمان غير الزمان، فهل يتغيّر أسلوب بعض الخطباء جزاهم الله خيراً!!
alhoshanei@hotmail.com