Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/03/2008 G Issue 12946
الأحد 01 ربيع الأول 1429   العدد  12946
أحمد بن يسرة مؤسس جامع الصخرة بالعلا في الوثائق التاريخية

كتب - سلطان الجهني

قليلة هي المصادر المدونة التي وصلتنا عن أحمد بن يسرة، ما عدا ما نقلته لنا بعض الوثائق التاريخية، التي تم تنزيلها (تجديدها) لأكثر من مرة، ولعل بُعد الفترة الزمنية لوجود أحمد بن يسرة (قبل أكثر من 600 عام)، وقلة التدوين في القرون السابقة، واندثار جزء من هذه المدونات، أدت إلى شح تلك المعلومات الواصلة إلينا، إلا أنه ومن خلال ما وصلنا من وثائق تاريخية، يمكن وصفها بالنادرة لبُعدها الزمني، تمَّ منحنا نافذة لإبصار تلك الحقبة التي عاشها أحمد بن يسرة، وجعلتنا أكثر قُرباً من معرفة أهم الملامح الإنسانية التي ارتبطت بشخصيته، وكذلك أعطتنا بُعداً مهماً للتعرف على الظروف الحياتية لتلك الحقبة من الزمن في العلا. وما يهمنا من خلال هذه المقالة هو تلك الوثائق المتعلقة بتأسيس الشيخ أحمد بن يسرة رحمه الله لمسجد الصخرة بالعلا. ولعله من المناسب أن نُعرّف القارئ بأحمد بن يسرة قبل الخوض في تفاصيل تأسيسه لمسجد الصخرة.

والمشهور أن أحمد بن يسرة من فخذ صبح من قبيلة حرب المعروفة، وتقول الروايات إن مسكنه سابقاً في بلدة بدر، وله مصاهرة مع الأشراف. ومع أن هذه المصادر لم تبين على وجه الدقة تاريخ وصول أحمد بن يسرة إلى العلا، إلا أنه من المرجح أن هذه الهجرة كانت فيما قبل سنة 780ه. ومع أنه لم يقع بين يدي ما يبين سبب هجرة أحمد بن يسرة من موطنه الأصلي في بدر إلى العلا، إلا أن أسباب الهجرة قديماً يمكن إجمالها في بضعة احتمالات، كنشوب خلاف مع أبناء العمومة أو مع آخرين، أو الهروب من اضطرابات متنوعة في المنطقة التي هاجر منها، أو البحث عن مصدر رزق واستقرار في بلد آخر. ومن المرجح أيضاً أن سبب هجرة أحمد بن يسرة إلى العلا كان رغبته في طلب الرزق والبحث عن الاستقرار في العلا؛ حيث كان رجلاً عصامياً، استطاع أن يثبت ذاته في العلا؛ ما جعله يكتسب بعض الممتلكات من عقارات وبساتين. وأيضاً يتضح لنا من خلال ما نقلته إلينا الوثائق التاريخية القديمة أن الشريفة علياء بنت الشريف علي الحسني زوجة أحمد بن يسرة كانت امرأة ثرية؛ وهذا ما مكنها من شراء بعض العقارات والممتلكات في العلا حين قدومها مع زوجها؛ فقد ورد في وثيقة قديمة، لم أتمكن من معرفة تاريخها لنقص قطعة الورقة: (بسم الله الرحمن الرحيم.. حضر عثمان بن شعيب (يبدو أنه من بني صخر) بين يدي جبران بن مسعود الخطيب، وأقر وشهد على نفسه بأنه قد باع إلى علياء بنت علي (زوجة أحمد بن يسرة) نصف بلادة الدَحوة، معرفتها تحديها (ربما يقصد تحدها) وهي نصف بلادة الدَحوة القبلية (القبلة في قرية العلا اتجاه الجنوب) بلاد أبيه شعيب بيعاً صحيحاً شرعياً بثمن مبلغ ستت ماية درهم (ستمئة درهم) موزونة.. وتسلم البايع جميع الثمن) انتهى ما جاء في هذه الوثيقة. كما أن الشريفة علياء قد أقرضت زوجها أحمد بن يسرة مبلغ ألف درهم، كما ورد في وثيقة تاريخية قديمة. وبما أن أحمد بن يسرة كان رجلاً متديناً فمنذ مجيئه إلى العلا كانت تراوده فكرة بناء مسجد يوقفه لله تعالى، ومن أجل ذلك قام أحمد بن يسرة ببيع بعض ممتلكاته لزوجته الشريفة علياء (التي كانت ميسورة الحال)، وبعد أن حصل على المال، قام أحمد بشراء بعض البيوت العائدة لأفراد من قبيلة بني صخر، ثم هدمها وبنى مكانها مسجداً أسماه مسجد الصخرة وأوقفه لله تعالى؛ فقد جاء في وثيقة تاريخية: (حضرت النتراكسة مسلم وسلمان إلى بين يدي القاضي قرر (أقروا) وشهد (وشهدوا) على أنفسهم أنهم قد باعوا أحمد بن يسرة البيوت. بيوتهم الذي (التي) في الدرب (المقصود ما يعرف بدرب الشقيق) اشتراهن أحمد بن يسرة بمية (بمئة) صاع شعير بمد الدمشقي وعشرين ديناراً منقودة بميزان الشام. تسلم سليمان ومسلم الثمن واستوفوه، وتسلم أحمد وتصرف في البيوت تصرف المالكين في أملاكهم). وتوضح الوثيقة ذاتها أن أحمد بن يسرة قام بهدم هذه البيوت التي اشتراها من بعض أفراد بني صخر، وبنى مكانها مسجداً لله تعالى، وجاء في الوثيقة سماه أحمد والعقول مسجد الصخرة أو هو المسجد التاريخي المعروف والقائم في العلا حتى الآن شرق جبل أم ناصر ويفصله عن الجبل طريق موسى بن نصير. ونعود إلى الوثيقة التي جاء فيها ما يحد المسجد آنذاك: (من شمال درب الشقيق وطبقة المتركشة؟ ومن قبله بيوت الصقور، ومن شرق المشراق وخرافة الهميلات ومن غرب قلعة العلي). وجاء في الوثيقة أيضاً أن أحمد بن يسرة قال: (وهو للصالح من ذريتي، هو وقف يقوم به ويخدمه، بعمارة وأذان وصلاة. بشهادة الشهود. شهد محمد بن شعيرة، وشهد رحمة بن صالح، وشهد إبراهيم بن خليل، وشهد صالح التيماني وهو حليف اليسرة). وكان تاريخ بناء مسجد الصخرة في سنة 780ه. كما أنه تم وقف ربع وجبة ماء جارٍ لمسجد الصخرة من عين المعلق بوادي العلا، وقد نزلت (جددت) وثيقة بناء مسجد الصخرة على أيدي قضاة العلا أكثر من مرة بنفس محتوياتها حتى لا تفقد المعلومات وتبلى الورقة الأصلية، ومن الجميل هنا أن الشيخ أحمد بن يسرة لم يكتف ببناء مسجد الصخرة، بل أوقف له بعض الماء من نصيبه في عين المعلق، ثم كتب يوصي الصالح من أبنائه وذريته بخدمة هذا المسجد. ويتضح أن أحمد بن يسرة الذي تملك بعض العقارات، ووجبات بمياه بعض العيون، قد باع ذلك إلى زوجته الشريفة علياء، إلا أنه وبعد تحسن أحواله المادية، عاد واسترد ما سبق أن باعه إليها، وهذا ما تكشفه لنا إحدى الوثائق القديمة والمؤرخة بسنة 782ه.. ومن هذه الممتلكات التي استردها أحمد بن يسرة من زوجته الشريفة علياء عن طريق الشراء عقار ما يعرف بأرض (الدَحوة)، وبحسب هذه الوثيقة فإنه يحد أرض الدحوة ما يلي:... وكندرة إلى أبي حماد من الشرق، وما قطع المعلق العين المشهورة مشرق يحدها التيامنة، ومن قبلة آل يسرة وهم أبناء أحمد بن يسرة. وجاء في الوثيقة أيضاً: (ومن البيع وجبة من عين المعلق (الوجبة تأتي بمعنى الحصة) ثلاثة أرباع وجبة، وجبة من أحمد، وربع من ولده خويطر)، وفي هذه الوثيقة دلالة أخرى على أن عين المعلق كانت جارية في سنة 782ه أو حتى قبل هذا التاريخ. ومن جملة البيع على حد الوثيقة أيضاً: أربع ودايا (وهي النخل، مفردها ودية) في البسيسة (وهي عين قديمة) مع ريمة خلص. وتضيف الوثيقة إلى ذلك البيع: (ما ذكرنا وبستان الدار كمان وهو مشترى أحمد في البستان والأجرة حضر وشهد أحمد بن يسرة على نفسه، وحضر وشهد على ما في هذه الورقة أحمد عمر؟، وكتب الخطيب تاريخ اثنين وثمانين وسبع مائة عام (782ه)، وتنزيل أحمد بن القاضي، محمد بن القاضي، أمين بن محمد بن أمين بن القاضي، علان بن القاضي، سبيع بن القاضي جبرايل (جبريل) بن القاضي، عبدالعزيز بن القاضي، صالح تاريخ التنزيل عام خمسة وثمانين، أي المقصود سنة 785ه، والمراد بالتنزيل هنا تجديد كتابة الوثيقة بنفس محتوياتها؛ حفاظاً على ما دُوِّن بها من تلف الورقة. أما قيمة استرداد هذه الممتلكات فقد بلغت بحسب الوثيقة ثلاثة آلاف درهم وثلاثة وثلاثين كيل شعير، وقد دون في نهاية الوثيقة بخط الخطيب، والله الوكيل. وتنزيل القاضي أحمد بن محمد أمين في قرية العلا عام خمسة وثمانين بعد ألف عام (1085ه)، وقد أقر أحمد ابن يسرة بأنه قد استرد.

ونخلص من ذلك إلى أنه وبحسب ما جاء في الوثائق فإن تاريخ بناء مسجد الصخرة كان سنة 870ه، وفي ذلك دحض لما يردده البعض من أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من قام بتأسيس هذا المسجد حين مروره بالعلا في طريقه إلى غزوة تبوك، وكنت قد اطلعت على مذكرة كتبها أحد كبار السن رحمه الله، ذكر فيها أن أحمد بن يسرة اشترى بعض بيوت بني صخر وهدمها وبنى مكانها المسجد؛ لعلمه أن هذا الموضع هو الذي صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء مروره بالعلا في طريقه إلى غزوة تبوك، وهذا الكلام غير دقيق، كما أنه غير مبرهن بأدلة أو وثائق أو حتى تواتر في روايات الأجداد من سكان البلدة القديمة (الديرة) بالعلا، ولعل ذلك من الخلط الحاصل بين مسجدي الصخرة والعظام؛ إذ يوجد في البلدة القديمة جامع يسمى ب(العظام)، وهو أكبر مساجد الديرة القديمة، والمخصص لأداء صلاة الجمعة. وتشير بعض الأقوال إلى أنه سمي بجامع العظام؛ لأنه بني بالمكان الذي صلى به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين أثناء وجودهم في العلا في طريقهم إلى غزوة تبوك، حيث علم مكان مصلاه - عليه الصلاة والسلام - بالعظم، وبالتالي بني مكانه مسجداً. وإن شاء الله ستكون لي وقفة أخرى مع جامع العظام وتحقيق ما ورد بشأنه في مقال مستقل.








 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد