كنت قد كتبت - فيما سبق - موضوعاً حول وثائق أسرة آل عبيد الكريمة وشكر تلك الأسرة على اهتمامها بتلك الوثائق القيمة والمحافظة عليها ودعوت - في ذلك الموضوع أيضاً - الأسر الأخرى والأفراد الآخرين ممن تتوفر لديهم وثائق تفيد في البحث العلمي التاريخي والاجتماعي إلى المبادرة بالاهتمام بها والمحافظة عليها وإطلاع الباحثين عليها وتزويد المراكز البحثية كدارة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد يصور منها لكونها حلقة مهمة من حلقات مصادر تاريخنا المحلي.
ومن حسن حظي أن جمعتني صدفة طيبة - على غير موعد - بفضيلة القاضي الشيخ سامي بن إبراهيم العمري - سلمه الله - ودار بيني وبينه وعلى عجل حديث مقتضب حول إصدار العدد السنوي الأول من مجلة أسرة العمري الذي تكرم مشكوراً - قبل أن أودعه - بإهدائي نسخة منه.
وللحقيقة أقول: إنه بعد اطلاعي وقراءتي لما ورد في ذلك الإصدار الجديد وجدت أنه - علاوة على الطباعة الفاخرة والإخراج المتميز وبعض الموضوعات الأخرى - قد احتوى على عدة صفحات في موضوع نسب وتاريخ تلك الأسرة الكريمة ولمحات من مواقفها الطيبة وإخلاصها لولاة الأمر في هذا البلد الكريم منذ عهد الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- مع تراجم لبعض أعلامها علاوة على قائمة من الإصدارات العلمية للمثقفين من أبنائها نختار من عناوينها الملك عبدالعزيز والعمل الخيري - دراسة تاريخية وثائقية الرثاء الخالد - رصد لسيرة الملك خالد- رحمه الله- جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم المغازي لأبي بكر بن أبي شيبة وتخريج آثاره - دراسة وتحقيق علماء آل سليم وتلامذتهم وعلماء القصيم التطور السياسي في البحرين المبعوثين الأجانب مصدر لتاريخ الخليج الغوص واللؤلؤ في الخليج دراسة تاريخية وغيرها من العناوين لإصدارات أخرى في عدد من التخصصات والفنون التي قام على تأليفها أو دراستها وتحقيقها أساتذة وعلماء فضلاء من تلك الأسرة وفقهم الله.
وأضيف هنا أمراً استوقفني بل حثني على تدوين هذه السطور وهو ما ورد ضمن افتتاحية ذلك العدد المذكور بقلم الأستاذ سلمان بن محمد العمري - وفقه الله - بعد أن تحدث عن فكرة إنشاء تلك المطبوعة والجهود التي بذلت في إخراجها لكونها - كما ذكر - من أوائل المجلات الأسرية التي تصدر في المملكة حيث قال: (وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى استطعنا أن نقنع الكثيرين من أبناء الأسرة أن يفرجوا عما لديهم من وثائق ومعلومات وصور تتعلق برجالات الأسرة في عصور سابقة التي ظلت لسنوات حبيسة في صناديق مغلقة رغم ما تمثله من قيمة وثروة يجب أن نحسن توظيفها واستثمارها بدلا من أن تتعرض للضياع والتلف).
قلت: ولهذا يجب أن يقدم الشكر على هذا الفهم وعلى ذلك التوجه للحفاظ على تلك الوثائق والمدونات والمحررات والمعلومات وإخراجها للاستفادة من قبل الباحثين والدارسين خاصة وأنها لابد أن تكون ذات قيمة علمية لما لتلك الأسرة الكريمة من المخزون التراثي والمعرفي المتراكم عبر أجيالها، كما أن تفاعل هذه الأسرة مع محيطها الاجتماعي عبر السنين الماضية يجعل هناك إمكانية وجود قدر من المعلومات والمدونات لدى الآخرين مما يستوجب على أسرة التحرير تقصي مثل ذلك واستجلابه وإشراك الأقلام الجادة الأخرى وإخراج كل ذلك على صفحات مطبوعتها التي نتمنى أن تكون إصدارا نصف سنوي.
ولمزيد الاطلاع والفائدة نورد هنا ثلاثا من الوثائق المهمة بنصها كما جاءت:
الوثيقة الأولى: حول توثيق وفاة الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي- رحمه الله- وهذا نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم بيان وفاة المغفور له صاحب الفضيلة الشيخ الجليل عبدالرحمن بن ناصر آل سعدي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته وروح روحه ونور ضريحه وجمعنا به في دار كرامته، وكانت وفاته في الساعة الحادية عشرة من ليلة الخميس 1 الموافق 23 جمادى الثانية 1376هـ الله لا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده، وأن ينور له في قبره ويفسح له فيه، وأن يثبته بالقول الثابت، وأن يجمعنا به في دار كرامته صلى الله على محمد. حرر في 24-6-1376هـ).
الوثيقة الثانية: حول الدعوة لتأسيس جريدة القصيم التي أصدرها الشيخ صالح بن سليمان العمري- رحمه الله- وهذا نصها: (حضرة الأخ المكرم عبدالكريم العبدالله المشيقح المحترم بعد التحية والاحترام بعون الله تعالى فقد عزمنا على إصدار صحيفة تسمى (القصيم) وسنجلب لها مطبعة كبيرة - إن شاء الله - وقد وافق جلالة الملك المعظم على ذلك، وبالنظر إلى أن التعاون من صفات المؤمنين (2) ولأن الفرد لا يستطيع القيام وحده بالعمل كهذا لذا فقد اتفقت مع بعض الإخوان على أن تكون شركة لهذا الغرض وخصصنا (100) مائة ريال للسهم ويدفع المشترك من أصل اشتراكه (100) ريال في الشهر، وذلك تخفيفا على المشتركين وتسهيلا على إقبالهم على الاشتراك في هذا المشروع، وقد ساهم إخوانكم في بريدة كل بقدر استطاعته فمنهم من شارك بعشرة أسهم، ومنهم من ساهم بعشرين سهما ومنهم من شارك بخمسة أسهم، وهذا أوسطهم، وقد بلغ مجموع الاكتتاب ما يزيد على مائة ألف ريال (100.000) وإننا إذ نزف لكم هذه البشرى التي سترفع شأن وطنكم وتنشر فيه الثقافة بصورة واسعة، وإنني إذ أزف لكم ذلك أرجو أن تكونوا من المشتركين فيها، ومن الداعمين إلى المساهمة فيها، ويمكنكم الاتصال بنا أو بوكيلنا من طرفكم سليمان المحمد الرشيد حقق الله ما نصبو إليه وما ذكر حرر 21-4-1374 صالح بن سليمان العمري)).
الوثيقة الثالثة: وثيقة لشهادة جامعية حصل عليها الشيخ محمد الحمد العمري من الجامعة الملية الإسلامية في دلهي بالهند قبل 75 عاما وهذا نصها (( تصدق الجامعة بأن محمد بن حمد العمري النجدي ولد حمد بن محمد العمري ساكن عنيزة نجد في المملكة العربية وعمره 33 عاما اجتاز امتحان الجامعة المتقدم في محرم الحرام عام 1353هـ والمواد الدراسية التي حصل عليها الإسلاميات-الأردو- العربية- تاريخ إسلامي- 30 المحرم 1353هـ 15 مايو 1934م)).
ولعلي أختم بالقول: إن الوثائق والمدونات الخطية، وكذلك الإصدارات الأسرية والعشائرية (الجماعية منها والفردية) تعتبر في مجموعها - إذا ما تم العناية بها وتأصيل وتوثيق موضوعاتها وإيجاد آلية للتفاعل والتعاون بينها وبين المراكز البحثية الأخرى أقول : إذا تم ذلك فإنها ستكون رافداً من روافد البحث الجاد في مجال التاريخ والتراث المحلي، كما يمكن الاستفادة منها ومما لدى القائمين عليها في مشروع توثيق مصادر تاريخنا الوطني الذي تضطلع به- مشكورة- دارة الملك عبدالعزيز بتوجيهات كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض حفظه الله ورعاه.
وسوف يكون مع هذا الموضوع مبحث آخر في وقفة أخرى أكثر تفصيلاً وتأصيلا راجياً أن يتيسر ذلك والجميع في أحسن حال.
الهامش:
(1) يشير المعلق على الوثيقة بأن هذا الوقت حسب التوقيت الغروبي المعمول به في نجد في ذلك الزمن، فليُعلم ذلك.
(2) هذا خطأ إملائي بسيط أبقيناه في النص أعلاه، كما ورد في المنقول منه والصحيح (صفات) هكذا بتاء مفتوحة.
إبراهيم بن صالح بن عثمان
باحث- وعضو الجمعية التاريخية الخليجية
ص.ب.33462 - الرمز البريدي 11448