Al Jazirah NewsPaper Sunday  09/03/2008 G Issue 12946
الأحد 01 ربيع الأول 1429   العدد  12946
نوافذ
روح اليابان
أميمة الخميس

كثيراً ما يربط المؤرخون المعاصرون بين نهضة اليابان الحديثة، وبين صدمة القنبلة الذرية التي سحقت اثنتين من مدنها في أواسط القرن الماضي، فيجعلونها كطائر العنقاء (الفينيق) الذي فز من رماده، وعاود التحليق من جديد.

ولكن من المجحف لليابان كتاريخ وحضارة أن نختصر جميع الجوانب الحضارية في التجربة اليابانية بتلك الحادثة المريعة، فلا بد أن هناك جانباً سرياً يكمن في الروح والثقافة اليابانية يجعل من هذه الأمة لا تقود آسيا فقط بل العالم كله فقط على المستوى التقني، فميزانية شركة (سوني) على سبيل المثال توازي ميزانية مجموعة من الدول الثرية.

يذكر (ول ديورانت) في كتابه قصة الحضارة عن نشأة الشعوب اليابانية، أن الأسطورة اليابانية تقدم نشأة اليابان من خلال حكاية تظهر الجزر اليابانية كقطرات ألماسية انهمرت من سيف أحد آلهتهم أثناء صراعها فقامت هذة الجزر تحتضن بريق العنفوان المقدس في أرضها.

وإن كانت المصانع اليابانية باتت الآن هي الواجهة التي تقدم اليابان إلى العالم ، ولكن لا بد أن يقودنا الفضول للبحث عن الروح أو الدينامو الذي يكمن وراء هذه الأمة التي تمثل الغابات 65% من أراضيها ومن دون موارد طبيعية أو زراعية سوى....الإنسان.

وفي محاضرة بعنوان (العقل الياباني مصدراً للتقنية) قدمتها د. أسامورا تومكو ضمن الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض الكتاب يوم الخميس الماضي، كانت تلك المحاضرة نافذة مدهشة على الجزر اليابانية، استطاعت فيها المحاضرة أن تبلور اليابان أمام أعيننا كلؤلؤة مدهشة اختصرت بها الزمان والمكان، حيث ذهبت بنا بعيداً إلى أول رواية نسائية صدرت في العالم منذ ألف عام ألفتها إحدى سيدات البلاط الياباني تحت عنوان( جينجي)، وعرجت بنا على مواسم زهور الكرز في اليابان وعلاقة هذا بفلسفة المحاربين (الساموري) حيث الحياة القصيرة الخاطفة، ولكنها مفعمة بالقيم الشذية الفاضلة، وأدهشت المحاضرة اسامورا المستمعين بالمعادلة اليابانية الحديثة وهي ( 100- 1=0) وليس 99، فخطأ وحيد في المنتج يلغي المنتج تماماً ويخرجه من المعادلة، سعياً وراء الكمال الذي يطمحه المصنع الياباني، وأرجعت هذا إلى أن قيم العمل والالتزام قد ترسخت في اليابان عبر القرون بشكل تراكمي مما يخلق علاقة نادرة بين العامل وأدواته، فتصبح تلك الأدوات هي امتداد لأعضاء جسده، أما المنتج نفسه فهو خلاصة ورحيق هذة العلاقة، حيث يتداخل مع هذا كله قيم الاعتزاز والفخر والقدرة على إثبات الذات من خلال الإنتاجية.

والأمر الطريف في المحاضرة، الذي يجبرنا على التوقف عنده فهو المقياس القيمي الذي يلجأ له الفرد الياباني (بحسب ماذكرت المحاضرة) هو ( المرآة ) !! التي يجب أن تعكس له شخصاً محترماً، فعندما ينظر الياباني إلى نفسه لا بد أن يكون راضياً عن هذه الذات التي يعكسها زجاج المرآة.

في نهاية المحاضرة سُئلت د.أسامورا عن سر التفوق الياباني، وهل من الممكن أن يصدر ويستورد؟ أجابت إجابة هادئة ودودة : قالت لعل اليابان في جزرها النائية، مرت بحالة سلم طويلة مكنتها من صناعة حضارتها.

وأنا لا أظن بأن هذا هو الجواب الوحيد لهذا السؤال، فبينما أنا أحدق الآن بشاشة الحاسب الياباني وأنا أكتب لكم هذة الحروف، فأنا على يقين بأن هناك تلك الخلطة اليابانية العجيبة القائمة على الالتزام والانتظام وتقديس قيم العمل، والتوق الأبدي للجمال بجميع تجلياته، جميع هذا خلق الأسطورة اليابانية بجميع تفاصيلها اليوم.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد