لم يعد لتنظيم القاعدة الإرهابي أي قاعدة إنسانية أو مادية يمكن أن يرتكز عليها، أو يعتمد على روافدها للحصول على الدعم الإنساني الذي يتيح له التمدُّد، أو الدعم المادي الذي يمكِّنه من تنفيذ عملياته الإرهابية، بعد أن عرف الجميع حقيقته البشعة، وأدرك الجميع خبايا نواياه العدوانية الآثمة وأهدافه المغرضة.
هذا ما تأكدت حقيقته بعد أن ألقت الأجهزة الأمنية السعودية القبض على عدد من المشتبه بهم في تنظيم القاعدة بلغ عددهم 56 شخصاً من جنسيات مختلفة، يحمل أحدهم رسالة هاتف محمول فيها تسجيل صوتي من زعيم التنظيم الثاني يتسوّل فيها، طالباً من أتباعه جمع الأموال ومحاولة الحصول على المساعدات المادية كي يستمر التنظيم في مسيرته الضالة. إنها هزيمة ساحقة وانكسار واضح، ولكنه في ذات الوقت انتصار عظيم لوزارة الداخلية التي تمكنت من تضييق الخناق على التنظيم بتجفيف مصادر التمويل التي كانت تطيل في بقائه وتساعده على ركوب موج الضلال والخطيئة في حق الأمتين العربية والإسلامية.
الملفت للنظر أن الرسالة المشبوهة تحتوي على دعوة باطلة ومعلومات خاطئة لجمع الأموال، فهي تستثير المشاعر الفردية لاحتوائها على تسوُّل يطلب دعم أسر مئات الشهداء والمساجين في الباكستان وأفغانستان، وهم في حقيقة الحال ضحايا من ضحايا التنظيم غرر بهم ودفعوهم لركوب موج التطرُّف والتشدد والعنف والإرهاب.
الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، رسالة خرجت من منطق ضال، فكيف يكون الله تعالى عوناً لمن يفسد في الأرض ويحرقها بنيران العنف والدمار؟ لقد أصبح العمل الخيري غطاء لمخططات الشر والعدوان، وباتت وسائل التزوير والمخططات الجهنمية لتهديد أمن واستقرار المسلمين، وسائل للدعوة الضالة لنشر الشرور والآثام، وإلحاق الأذى والضرر بعباد الله الآمنين في موطن الأمن والأمان المملكة العربية السعودية.
نعم لم يعد المنطق الإرهابي مقبولاً ولا مبرراً ليس وحسب لضلوعه في عمليات القتل والتدمير، وإنما لما ألحقه من رعب وهلع في قلوب البشر، فكيف يمكن تبرير مثل هذا المنطق الشرير ببعض من الأدلة الإسلامية السمحة التي تحث المسلم على أن يكون عوناً لأخيه المسلم في الخير والعمل الإنساني النبيل؟ كيف يمكن أن يقنع مثل هذا المنطق الضال العقلاء من المسلمين بآراء مارقة وأفكار هدامة وعقلية مريضة غير مستقرة، وسلوك إرهابي إجرامي دموي وحشي مشين.
الحقيقة التي اتضحت لجميع المواطنين دون استثناء، تؤكد أن تنظيم القاعدة لا يروم إلا الشر في كل مخططاته وتحركاته وأفعاله، بعد أن أثبت التنظيم أنه أداة قتل وتفجير وتدمير ضد الوطن والمواطنين ووسيلة شر للنيل من أمن واستقرار ورفاهية الوطن والمواطن هدفها تجفيف منابع ثروة الوطن واستنزافها وإهدارها، نعم لقد أكدت الأحداث وتطوراتها أن المجتمع الإنساني المسلم السوي حريص على مكافحة فكر الإرهاب ومنظِّريه وتنظيماته ومحاربتهم في كل موقع ومكان لما لمخاطره من عمومية وشمولية تطال مصالح الجميع وتضر بمصالح المسلمين.
لقد غيَّر تنظيم القاعدة في مخططاته وعدّل في استراتيجياته لكن بعد فوات الأوان، كيف لا وجميع الأحداث والتطورات تؤكد أنّ السبب الرئيسي لبقاء تنظيم القاعدة الإرهابي، يكمن في حصوله على عناصر تساعده على تنفيذ مهماته، وعلى أموال يستمد منها القوة لتنفيذ عملياته الإرهابية حتى وإن تطلّب الأمر ضد من دعموه وأيّدوه وساندوه وأمدّوه بالعناصر والمال. إنّ الرسالة تؤكد أنّ تنظيم القاعد بلغ مرحلة متقدمة من اليأس والفقر والعوز دفعته للتسول بكل وسيلة وللتبرير بأي منطق حتى وإن كانت من وحي التعاليم الإسلامية الهادفة إلى تعاون المسلمين مع بعضهم البعض في الحق والخير، لكن فات على التنظيم أن المسلمين يتعاونون على البر والتقوى ولا يتعاونون على الإثم والعدوان، المعادلة صعبة والمنطق ملتوٍ لا يمكن أن يتقبّله عقل إنسان مسلم سوي ومستقيم.
إنها حقيقة بالفعل كذلك بعد أن غدت واضحة وبينة، لا سيما بعد أن ظهرت الأدلة لتؤكدها ولتعري التنظيم لتبدو ناصعة في جوهرها ومجملها لجميع شعوب العالم العربي والإسلامي وقطعا بما لا يدع مجالاً للشك من أن ثمة علاقة مباشرة وقوية توجد بين أفعال وأعمال تنظيم القاعدة الإرهابية والمصائب والدمار والمحن التي انصبت حممها على العالم الإسلامي. نعم لقد ظهر بوضوح أن تنظيم القاعدة لم يعد بمقدوره الحصول على التأييد أو الدعم من الشعوب العربية أو الإسلامية، ناهيك عن حصوله على التعاطف المطلوب مادياً أو معنوياً للقاء كتنظيم يثابر على ارتكاب جرائم الإثم والعدوان.
لقد فقد تنظيم القاعدة كل شيء إلا نزعة الإيمان بمنطق العنف والإرهاب والدمار، وحالة اليأس والقنوط التي بلغها هذه تفسر لا محالة محاولاته الأخيرة لاستجداء من تبقى له في الساحة من فئة ضالة لبقايا الفكر المتطرف التي عفا عليها الزمن وأكل على جيفها الدهر وشرب.
drwahid@com