حاولت إقناعه لكنني ما استطعت.. كم مرة رددت هذه العبارة على مسامع أحد وكأنك تشتكي له ضعف حيلتك، وتبين له أن سعيك بكل ما تستطيع إلى أن تصرف شخص تنوي له الخير عن أمر ترى فيه سوء، أو ترغبه في أمر ترى فيه مصلحته، لم يكن كافياً لتغيير قناعاته أو تبديل رأيه، رغم أن ما نصحت به أو حاولت الترغيب فيه هو عين الصواب والأفضل والأخير له؟.. ودعني أفترض جوابك.. كثيراً حاولت ولم تفلح.. إذا ما الخطأ وما هي العلة التي لم تمكنك من إقناع غيرك بما تراه صواباً.. هذه المرة لا أفترض الجواب لكني أؤكد أن العلة لا تكمن في قدراتك أو فيما تريد ترغيب غيرك فيه، ولا تكمن في غيرك الذي لا يفهم أو عميت عيونه وعقله عن رؤية المنافع التي تراها دون أن يراها هو، إنما العلة تكمن في المفتاح الذي أردت أن تفتح به عقله لتكسب فهمه واقتناعه.
لغة الإقناع هذا العامل المهم الذي يتحكم بحركة العقول ويحفزها للوصول للفهم المشترك ومن ثم القبول بما يعرض عليها، رغم أهميته وتأثيره الواضح على سير الأمور وتسلسلها، إلا أن كثيرين لا يعيرونه الاهتمام الذي يستحقه عند نصحهم في أمر ما تغريباً أو ترهيباً، فأنت لن تستطيع إقناع أحد بأمر ما لم تفهم اللغة التي تستطيع أن تحرك بها عقله ليحاكي ما تطلبه منه ويفهمه، فعدم الفهم بين الناس لا لجهالة فيهم ولكن لاختلاف لغاتهم العقلية التي تمكنهم من فهم الأمور والقبول بها، فالمالي أو رجل الحسابات لا يرى إلا المال والأرقام، ولا يحرك مكامن الفهم في عقله إلا هذه الأرقام، وعليه لا يمكن إقناعه بتبني مشروع أو ترك آخر ما لم يتكلم معه من يريد ترغيبه أو صرفه بلغة المال والأرقام، والباحث أو العالم لا يرى إلا البحوث والدراسات والنسب المئوية والتجارب العلمية، ولا يمكن أن يقبل بأمر ما أو يقتنع به ما لم يتكلم معه من يريد الوصول لقناعاته بلغة البحوث والنسب المئوية والتجارب العلمية، وهكذا لكل الناس مفاتيح تعتمد على اللغة التي تتفاعل معها عقولهم فتتحرك وتفهم ما يراد إيصاله دون عناء.
بقي أن أوضح أن الناس يقبلون بأمر أو يتجنبونه لأن عقولهم تفرض عليهم السير في أحد مسارين، إما سعياً وراء منفعة فلا ترى عقولهم غير المنافع، وهؤلاء لا يقنعهم الترهيب، أو خوفاً من ضرر يصيبهم فلا ترى عقولهم غير المضار المحتملة، وهؤلاء لا يقنعهم الترغيب.. الموضوع يتطلب الإسهاب فيه لكنني أكتفي بهذا عسى أن تجد فيه ما يفيد.. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com