كلما نظرت في كتابات الراحل الشيخ عبدالعزيز التويجري - رحمه الله - أجدني أمام إبداع فكري نادر، في أول تلق لمؤلفات الراحل كنت أستصعب بعض كتاباته وأظنها من الترف الفكري الذي يتكلف كاتبه من أجل أن يبرز مقدرته اللغوية، ولكن بعد تدرجي في القراءة والمتابعة أدركت أن هذا الأسلوب ما هو إلا غزارة في العلم وتمكن من مفردات اللغة التي هي بحر عميق مليء بكل جميل وثمين، فمنا من يتمكن من الغوص بجدارة ودون عناء فيخرج أجمل ما في هذه الأعماق، ومنا من هو دون ذلك، هؤلاء الغواصون المهرة يثرون المجتمع ويعمقون المعرفة لدى أفراده ويكونون طبقة من المثقفين الممتعين بكتاباتهم المبحرين في عالم العربية الأخاذ الذي كما قال الشاعر على لسان لغتنا الخالدة:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفات
لقد ظننت أنني الوحيد المعجب بهذا الأسلوب البلاغي الفريد من لدن الراحل الأديب حرفة وخلقا فإذا العشاق كثر والمعجبون أكثر، يدرسون على كتبه أمتع الأساليب وينهلون من معينيه الصافي الزلال أعذب القول وأنفسه، فصار أصدقاء الحرف أكثر من أصدقاء الجاه والمكانة، فله في كل بقعة من عالمنا العربي مريدون ومحبون، وعلماء العربية وجهابذة الأدب لا يخل منهم مجلسه ومكتبه وحله وترحاله، فتمكن حبه من الجميع، وصار مثالا يحتذى في دماثة الخلق وطيب المعشر، واليوم والمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) يكرمه، فإنما يكرم تلك الخصال الحميدة وهذا الأدب الرفيع.. وهو يكرمه إنما يكرم هذه الجحافل من العلماء والشعراء والأدباء الذين كانوا لا يجدون عنه مصرفا في أمسياتهم وندواتهم الفكرية والشعرية والأدبية على مر عقود من الزمن، هذا التكريم يدفعني إلى المطالبة بإنشاء (جائزة عبدالعزيز التويجري للإبداع الفكري) فهو الأولى بأن تكون هناك جائزة تحمل اسمه وتكرم من كان يهوى فنهم وهو الإبداع الفكري تحديدا، ما أحوجنا إلى المبدعين في كافة شؤون حياتنا المدركين حاجة المجتمع إلى الإبداع، وإلى الكلمة المبدعة الناهلة من معين هذه اللغة.. لغة البيان وسحره، إننا هذه البلاد.. بلاد العروبة والإسلام في أمس الحاجة إلى من ينمي الإبداع لدى أجيالنا، ولو من خلال تكريم ورعاية الآباء، فمن المعلوم أن القدوة أكبر دافع للإنسان في عطائه ورقيه، إنني لأريد أن نسمع في أجيالنا القادمة من يقول لوالده أو والدته ماذا جنيت من الأدب والفكر والشعر؟ هذه المقولة التي نسمعها الآن عشية وضحاها نتيجة لهذا الوضع المادي الرديء للمفكرين والمبدعين إلى درجة أنه صار شعار الأدباء والمبدعين والمفكرين في كثير من أحوالهم، نريد جيلا لا ينظر إلى ما في أيدي الآخرين، وإنما كل همه أن يقدم ما يخدم أمته ووطنه من خلال التفكير الإبداعي السليم ليس إلا، نريد جيلا متسلحا بسلاح العلم والإبداع وليس العلم فقط، فالمتعلمون كثر ولكن المبدعين قلة.
إن جائزة للإبداع الفكري أعتقد أنه مطلب مشروع، بل ضروري، والراحل عبدالعزيز التويجري الأجدر بأن تحمل اسمه.
فمن لها..؟؟
Almajd858@hotmail.com