طالما بقي لدينا مصنفون، يفرقون بين أبناء الوطن الواحد ويتخلون في عقيدتهم ويتجرؤون على اتهامهم بالخروج عن الدين أو الدعوة إلى الإفساد من خلال مؤشرات تخمينية وتفسيرية لا علاقة لها بوقائع حقيقية.
طالما ينتشر بيننا هؤلاء فإن الإرهاب القاعدي لن تتجفف منابعه، ولن نقضي على جذوره الرابضة بشكل متوار ومتربص داخل ترابنا.
** وسيظل الجهد العسكري وحيداً في الساحة ينافح أبناؤه بأسلحتهم وأرواحهم دون أمن الوطن وطمأنينة أهله.
** لكن الدورة التي يمر بها الإرهابي حتى يكون إرهابياً ما زالت غائبة عنا..
وتتم بشكل سري ومخيف، والتجنيد يتخذ ألف لبوس ولبوس، تارة يوحي بأنه ناتج فكر خارجي ثم لا نلبث أن نجده بين ظهرانينا، قريب منا، يكاد يخنقنا في مؤسساتنا الثقافية والتربوية والاجتماعية..
** وحين تشتد جهود المخلصين في تتبع المشروع الإرهابي وسيرة تشكله، نفاجئ بتبدل واحتواء واستيعاب للحملة المضادة التي لا تلبث أن تتوارى وتهدأ على إثر اتهامات قد تصل إلى التكفير!
** ويغيب صوت الاعتدال عن بعض المناوئين للفكر الإرهابي فيتطرفون في تسفيه تفكير العامة والمجتمع وعاداتهم وتقاليدهم ومن ثم يجد رعاة الفكر الإرهابي فرصتهم سانحة لتجييش مختلف شرائح المجتمع على هؤلاء..
ويخسر في هذه المعركة التي ابتدعها هؤلاء وهؤلاء لتصفية حسابات شخصية.. يخسر فيها الفكر المعتدل الذي يجد أن حباله الصوتية تصاب بالاحتقانات والتقرحات إثر السعي لإسماع العقلاء وسط هذا الصخب المدوي.
** الوطن.. ما يزال يحتضن في تربته مكونات الفكر المتطرف الذي يصوغ في النهاية مجموعات إرهابية مسلحة تتحين الفرص لقتلنا وقتل أطفالنا وتخريب اقتصادنا.. وما يزال أمامنا معترك فكري كبير لبث روح الاعتدال والنأي عن التصنيف وكسب العامة ومختلف شرائح المجتمع الذي لن يتأتى إلا من خلال احترام مكونهم الثقافي والموروثي واختياراتهم التي لا تتماس مع أمن الوطن!
** أمامنا وطن ممتد.. شاسع.. يفتح بواباته للشمس.. يستحق منا أن نعود لنمسك الطريق من أوله كلما اكتشفنا أننا نسير في الطريق الخطأ.
فالأمن خيار استراتيجي يبدأ من الفكر وينتهي إليه.