اختلفت واشتجرت وتنوعت تشريعات الفقه الإسلامي عبر العصور فيما يتعلق بقضايا الحضانة والنفقة الواجبة للمرأة بعد الطلاق، وتلك الخاصة بالأطفال القصر والسن التي تتطلب الحضانة، ولكن على وجه التأكيد جميع التشريعات الفقهية باختلاف مذاهبها واتجاهاتها، قد أوجبت النفقة للمطلقة ونفقة الرضاع والحضانة للقصر أيضاً.
ومن هنا تنبثق أهمية أن يكون هناك قانون (تشريعي) محلي واضح وصريح يتعلق بنفقة النساء والحاضنات، ولاسيما أن الواقع يحيلنا إلى العديد من المآسي بل الكوارث الاجتماعية الناتجة عن تنصل الآباء من واجباتهم المادية اتجاه أولادهم، إما انتقاماً من الأم، أو لدناءة وخسة في الطبع وقصور عن تحمل المسؤولية، وجميعها تحيلنا إلى أهمية سن قوانين مستخلصة من الشريعة نفسها، تقوم على حفظ حقوق الحاضنات وأطفالهن، طالما ظل الأطفال في سن الرعاية.
التقيت ومجموعة من الزميلات أثناء زيارة رسمية لتونس بوزيرة شؤون المرأة التونسية، وقد عرضت لنا كم وافرا من الأنظمة والتشريعات المعمول بها في تونس والخاصة بوضع المرأة في تونس، وكان من أبرز تلك التشريعات، حقوق المرأة الحاضنة والمطلقة بالنفقة، حيث تقتطع الدولة بصورة مباشرة من راتب الأب (حال نزوله في البنك) وتحيله إلى الأم بحسب المقدار الذي أقره القاضي، بالشكل الذي يفي بمتطلباتها وأولادها دون أن تهدر أيامها في ذل الحاجة والسؤال والمراوحة بين المحاكم ومراكز الشرطة.
وقد نشرت جريدة الرياض الأسبوع الماضي مقابلة مع رئيسة القسم النسائي في مؤسسة التقاعد الأستاذة فاطمة العلي، والتي أعلنت عن خبر مهم إيجابي يغيب عن علم الكثيرين يتعلق بالرواتب التقاعدية لموظفي الدولة فـ25% من راتب الرجل المتقاعد تحال إلى زوجته وأطفاله في حال الطلاق أو الانفصال.
هذه التدابير والإجراءات العادلة والإنسانية في الوقت نفسه لا أدري لما تنحصر في مؤسسة التقاعد فقط؟ ولما لا تعمم على جميع العاملين في الدولة وفق نظام قانوني صارم يضبط هذه الإجراءات.
أيضاً لا يعفي العاملين في القطاع الخاص من هذا القانون طالما أن هناك شبكة بنكية متطورة في هذا المجال، فالجهات التنفيذية بإمكانها أن تضبط هذا التشريع وتقننه مع الجهات المصرفية.
أيضاً فمقدار 25% من الراتب لا أعتقد أنها تفي بمتطلبات النفقة، فلا بد أن يتناسب المبلغ المقتطع طردياً مع عدد الأبناء وأعمارهم.
المحاكم وأيضاً المؤسسات التي تعني بالشؤون الاجتماعية تكتظ بمئات من القضايا والقصص والحكايات المأسوية المتعلقة بتنصل الأب من التزاماته ومسؤولياته اتجاه أسرته، حيث يتركهم في مهب مصائب القدر وتقلبات الزمان، دون أن يكون هناك جهة تشريعية تنظيمية قادرة على ضبط الأمور بصورة صارمة وإعطاء كل ذي حق حقه.