أكثر ما يربكني وأحياناً يغضبني، أن أسمع كثيراً من المحاضرين في العلاقات الإنسانية أو الموارد البشرية وهم يسدون نصائحهم للناس دون معالجة المشكلة الأساسية التي تسببت بالشكوى. تستمع لمحاضرة أحدهم عن موضوع ما، ولنقل مثلا عدم التركيز في العمل، لتأتي النصيحة بعبارات مصفوفة وجميلة تطالبك بتركيز جهودك والعمل على ما تظن أنه الأصوب، وان تصم أذنيك عما يعرقل تركيزك أو يضعفه.. عبارات جميلة لكنها تفسر الماء بعد الجهد بالماء، فطالب النصيحة يشتكي عدم التركيز والنصيحة تطالبه بالتركيز ولو كان يحسن هذا ما اشتكى أصلا، مثال آخر يشتكي أحدهم من تلعثمه بالكلام وشعوره بالضعف والارتباك عندما يتحدث في جمع من الناس، وكعادتهم تأتي أجوبتهم ونصائحهم للذي يشكو إليهم بعباراتهم البليغة وحركاتهم المثيرة وقفزهم أثناء إلقاء محاضراتهم من مكان لآخر تطالب المشتكي أن يتخلص من مركب النقص فيه وأن مشكلته إنما تحدث لهذا السبب، ولو كان يحسن التخلص من مركب النقص فيه لما اشتكى أصلاً، وغيرها كثير، تسمع نصائحهم وتحليلاتهم التي تطالب إما بالتخطيط وإما بوضع استراتيجيات أو التركيز وغيرها من الأمور النفسية كأن يطالبونك بترك القلق أو الكف عن التردد، دون تبيان كيف يمكنك أن تفعل ما ينصحونك بفعله، فلو كان المرء يحسن فعل ما يطلب منه لما اشتكى أصلاً، ولما كانت في حياته مشكلة.
تحضر محاضرة من هذا القبيل تظن أنها سترفع من مستوى أدائك أو تعاملاتك وتساعدك على تحسين عيوبك وتنمية مهاراتك، لتكتشف أنهم أعادوا إليك ما كنت تشتكي منه بعد أن حسَّنوه وجمَّلوه بعباراتهم البليغة، بمعنى أن بضاعتك رُدَّت إليك بعد تجميلها ليس إلا، لتعود إلى حياتك أكثر ارتباكاً، فأنت تعرف مجموعة من الحكم والكلمات البليغة.. دع القلق، ركِّز، نمِّ ثقتك في نفسك، اكتشف قدراتك، إلى آخره من الجمل البليغة المصفوفة دون أن تعرف كيف تحوِّل ما عرفت إلى أفعال، لتبقى أنت وما تشتكي منه على الحال نفسها دون تغيير على الرغم من نصائح العارفين.. والله المستعان.