في مقالة بعنوان (هل حان الوقت لإنشاء هيئة وطنية لإدارة الطوارئ؟) نشرت في العدد 12712 من جريدة الجزيرة بتاريخ 10 من يوليو 2007م عشرات الأسئلة في ذلك المقال، تساءلت فيها: هل لدينا نظام لتوفير خدمات أرصادية دعماً لعمليات التصدي قبل وقوع الطوارئ وبعدها، ولعمليات الإغاثة؟.
وهل لدينا برامج للتعليم والتدريب للمرافق المختلفة القائمة على الأرصاد الجوية.كما كتبت موضوعاً تثقيفياً عن العواصف الرعدية بعنوان (العواصف الرعدية والبرق أضرارها وفوائدها وماذا يجب أن نعمله قبل وأثناء وبعد حدوثها؟ نشرت في العدد 12909 من جريدة الجزيرة بتاريخ 1 من فبراير 2008م، ذكرت فيه أنه عندما تقع العواصف والفيضانات في البلدان النامية يكون حجم وأبعاد الكارثة أكبر بكثير. ففيما بين 1990 و1998 مثلاً، وقع 97 في المائة من الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية في البلدان النامية. وأن حجم الكوارث ذات الصلة بالعواصف وما إذا كان على مستوى محلي أو على مستوى البلد بأسره، إنما يعتمد على مدى حدة العاصفة والمنطقة المتضررة، والمرحلة التي بلغتها المحاصيل وقت العاصفة ومستوى الاستعداد.
واليوم سأتحدث عن موضوع لم تعطه وسائل الإعلام حقه، وله علاقة بالمواضيع السابقة وهو عن أخطار السدود.
فبالنظر إلى مساحة المملكة واتساعها، وما تشمله من العديد من المناطق التي يتخللها العديد من الأودية المختلفة الأحجام التي في الغالب تنصرف إلى البحار أو الصحاري، فإن الأمر تطلب التوسع في إقامة السدود وزيادة عددها لتقابل ذلك التدفق الهائل الكبير من مياه السيول الواردة خلال تلك الأودية لتحقيق أقصى استفادة منها وللحماية من مخاطرها حيث إن طبيعة المملكة تغلب عليها الأراضي الصحراوية أو الجبال الشاهقة وتوجد التجمعات السكانية في غالبيتها على ضفاف الأودية أو بالقرب منها لكونها مصدر تجمع المياه. لذلك فانتشار السدود والتوسع في إقامتها في المملكة يجسد اهتمام وعناية الحكومة بتوفير مصادر مائية مساندة من أجل تنمية مناطق التجمعات السكانية والمناطق الزراعية المجاورة لمسارات الأودية.
وكما هو معروف فإن الأهداف الأساسية من إقامة السدود في المملكة هو الاستعاضة للمياه الجوفية في منطقة السد وتوفير المياه للآبار في المناطق خلف السدود، وتأمين مياه الشرب لبعض المناطق من خلال محطات التنقية المقامة على السدود، وتأمين مياه الري للأغراض الزراعية بالري المباشر للمناطق الزراعية خلف السدود عن طريق مشاريع الري المنظمة لذلك، وحماية المدن والقرى من أخطار السيول وغوائل الفيضانات والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم. لذلك كانت الحاجة الملحة لاستكشاف مصادر المياه والحفاظ عليها فقامت الدولة ببناء هذه السدود، ومعظمها سدود خرسانية، وتوجد سدود ترابية خاصة في منطقة نجد، كما توجد سدود ركامية، ومعظم السدود المبنية في منطقة عسير هي من النوع الخرساني، وتستخدم أحياناً قطع من الخرسانة المسلحة على جانبي السدود الركامية لتوفر لها الحماية. وقد أنشئت السدود الحديثة كافة باستثناء القليل منها بهدف تخزين مياه الفيضانات الناتجة من سقوط الأمطار، ومن ثم يتم تصريف هذه المياه تدريجياً لتغذية الطبقات الجوفية الواقعة أسفل السد (الاستعاضة). وذلك للاستفادة منها فيما بعد لأغراض الزراعة والاستعمال المنزلي. وبنيت بعض هذه السدود لوقاية الأراضي الواقعة أسفل تيار المياه من السيول (للحماية). هذا وتختلف السعة التخزينية للسدود من منطقة لأخرى. وأكبر كمية مياه مخزنة خلف مجموعة من السدود هي في منطقة عسير.
وأهمية السدود في المملكة تكون بناء على أهمية كل سد للمنطقة المقام فيها إلا أنه يمكن إعطاء الأهمية للسدود ذات التخزين العالي مثل سد ببشة الذي يزيد تخزينه على 325 مليون متر مكعب وأسهم بشكل كبير في دعم مصادر مياه الشرب والزراعة بالمنطقة، وسد نجران الذي يزيد تخزينه على 86 مليون متر مكعب وله دور أساسي في حماية مدينة نجران من أخطار السيول التي كانت تجتاحها بصفة مستمرة، بالإضافة إلى توفير المياه الجوفية للمنطقة، وسد جازان الذي يزيد تخزينه على 50 مليون متر مكعب ويعمل على حجز السيول التي تجتاح المنطقة، وتصريفها لري منطقة زراعية متكاملة تزيد مساحتها على 6000 هكتار من خلال مشروع ري متكامل ملحق بالسد.
واليوم مع التطور الكبير الذي تشهده المملكة فقد انتشرت السدود في ربوعها كافة. وبلغ ما تم إنشاؤه حتى الآن (237) سداً، إجمالي سعتها التخزينية حوالي ثمانمائة وثلاثة وستين مليونا وأربعمائة وثمانية وخمسين ألف متر مكعب، منها 89 سداً من النوع الخرساني أغلبها في مناطق الدرع العربي (عسير ومكة المكرمة والمدينة المنورة والباحة وجيزان ونجران ومناطق أخرى)، و148 سداً ترابياً وركامياً موزعة في مناطق المملكة المختلفة، كما أن هناك 115 سداً تحت التنفيذ، منها 47 سداً خرسانياً، وأربعة عشر سداً منها للحماية والتحكم، والباقي للاستعاضة والشرب. وإجمالي سعتها التخزينية حوالي مليار ومئتين وخمسة وتسعين مليوناً وخمسمائة وخمسة وتسعين ألف متر مكعب منها سدود كبيرة على أودية حلي ورابغ والمرواني والليث وبيش. ويبلغ عدد السدود المنفذة للتحكم والحماية 61 سداً و14 سداً تحت التنفيذ والباقي لأغراض الاستعاضة والشرب.
من المعروف أنه في الماضي حدث في العالم إخفاق وانهيار لسدود بنيت حسب مواصفات هندسية ونظم بناء مقبولة في وقت بنائها، وبعد الانهيار تندفع كميات رهيبة من المياه والتي تخلف ضحايا، ودمار للممتلكات يختلف حجمها بحسب كبر السد وكمية المياه المخزونة فيه قبل الانهيار، فمثلاً في عالمنا العربي انهارت أربعة سدود خلال السنوات العشر الماضية (سدان في سوريا، وواحد في المغرب، وواحد في السعودية -ترابي).
وهل تصدق أنه يوجد في الصين 85000 سد ثلثها غير آمن. حيث ذكر وكيل وزارة المياه في الصين أن أكثر ما يقلقه هو والمسؤولين الصينيين هو سلامة السدود في بلاده؛ لأنها مثل القنابل الموقوتة يمكن أن تنهار في أي لحظة بعد أمطار شديدة. فمثلاً في شهر أغسطس من عام 1975م، مات 26000 شخص في وسط مقاطعة هنان بعد انهيار سدين، إثر سقوط أمطار شديدة. وللعلم فقد بلغ ما أنفقت الصين على صيانة السدود أكثر من 22 بليون يوان فقط.واحتمال انهيار سدود أخرى كبيرة قائم ومثال على ذلك ما ذكرته الواشنطن بوست من أن سد الموصل يتعرض لخطر حقيقي بانهيار وشيك، ما قد يطلق 4 مليارات متر مكعب من الماء دفعة واحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل آلاف الناس وغمر اثنتين من أكبر مدن العراق، وقد يؤدي ذلك إلى مقتل 500 ألف مدني بسبب غمر مدينة الموصل بحوالي 20 متراً من الماء وأجزاء من بغداد بحوالي 4-5 أمتار.
وانهيار السدود يحدث في بعض الأحيان بقليل من الإنذار وفي أحيان أخرى بدون إنذار، فالعواصف الرعدية المطيرة قد ينتج عنها فيضان في ساعات قليلة أو حتى في دقائق على طول مجاري الوديان وفي مناطق مصباتها. وتلك الفيضانات الخطرة المفاجئة تحدث في خلال 6 ساعات من بداية سقوط أمطار كثيرة على منابع الوديان، وإخفاق وانهيار السدود ربما يحدث خلال العلامات الأولى من التصدع أو بعد حدوث ثغرة في السد. وعلامات الإخفاق أو القصور وتكون الثغرات الأخرى في السد قد تأخذ وقتاً أطول لتحدث، من أيام لأسابيع، كنتيجة أخطاء إما في دراسات تربة موقع السد أو نتيجة أخطاء تصميمية أو أخطاء تنفيذية عند الإنشاء.
وهناك طرق تتبع للمعالجة للحد من الهبوط المتباين لأجسام السدود ومنها الحقن الإسمنتي عبر مضخات عملاقة في أعماق تربة الأساس لزيادة مقاومة التربة لحمولة وزن جسم السد والقوى المائية الأخرى الضاغطة على طبقات الأساس. وكذلك تخفيض منسوب الماء في أحواض السدود لتقليل ضغط المياه على طبقات الأساس وجسم السد. وتلك المعالجات ليست حلولاً جذرية لإنهاء مشاكل الانهيار المحتمل لبعض السدود، وإنما حلول لوقف التدهور الحاصل والحد من الهبوط المتتالي في أجسام السدود وزيادة مقاومة تربة الأساس للحمل الوزني والقوى المائية الأخرى.
ويتساءل من يعيش بالقرب من مواقع الخطر عند السدود عن كيفية حماية نفسه من إخفاق وقصور السدود، وماذا يمكن عمله قبل إخفاق السد، وخلال وبعد الفيضان. لكل واحد من هؤلاء أقول إن أهم خطوة تعملها قبل إخفاق وانهيار السد هي أن تبقى حياً وآمناً، ومعرفتك بالخطر المحدق بك، وأن تعرف أن هناك خطة طوارئ ستتخذ، وأنك سترحل عندما يطلب منك المسؤولون ذلك (وتابع الأمور عن قرب لأنك يمكن أن تنسى وقت الربشة وهذا يحدث في كثير من الأحيان وفي كثير من الدول).
أما طرق التخطيط للمستقبل، فتعمل إذا كنت تعرف الخطر الذي تواجهه، وتعيش على جانبي الوادي على طول المجرى خلف السد؟ وهل يشكل السد خطورة عالية؟ ولتعرف ذلك، اتصل بإدارة السدود في وزارة المياه والكهرباء، أو بالدفاع المدني في المنطقة التي تعيش فيها.
ومن المفروض زيادة الدعم لإدارة السدود في المملكة وينشأ فيها أو في الدفاع المدني جهاز أو قسم يختص بأخطار وبسلامة السدود، تكون من مسؤوليته بجانب سلامة السدود، العمل على سلامة المواطنين من أخطار السدود، كما يجيب عن تساؤلات المواطنين.ويجب دائماً أن تحاول أن تعرف من المسؤول عن إدارة السد إذا وجد في منطقتك. وتسأله هل هناك تعليمات مكتوبة، تبين خطط الطوارئ الأساسية المخطط لها في حالة إخفاق السد، والتي يجب اتباعها لتقليل أضرار الممتلكات وفقدان الحياة، وكما تبين الخطوات الواجب اتخاذها لحل المشاكل عند السد من قبل الجهة المشرفة عليه، وتساعد أيضاً في توجيه إنذار مبكر للدفاع المدني والجهات المسؤولة عن الطوارئ، والسلطات المحلية بالمشكلة الطارئة. فمثلاً لا قدر الله (تصوروا لو أن أمطاراً عظيمة وكثيرة استمرت عدة أيام في المنطقة التي يتغذى منها أي سد مثل سد المجمعة الذي يفيض دائماً، ويشكل خطورة كبيرة على السكان خلف السد، وسد جيزان أو نجران أو بيشة، حيث إن مقاومة السد تضعف أمام قوة تلك المياه أو لأي سبب آخر مثل إمكانية أن يتعرض أحد سدود المنطقة الجنوبية الغربية أو السدود المنطقة الغربية الشمالية أو منطقة مكة المكرمة لهزة أرضية لا قدر الله، مما قد يتسبب في إخفاق وتداعي السدود في تلك المناطق، حينئذ ستندفع المياه العظيمة المحتجزة خلف تلك السدود وتجرف كل ما يقع في طريقها من بشر وحيوان وممتلكات، مسببة دماراً كاملاً، قلت تصوروا فقط، لم أقل إنه سيحدث لا قدر الله). ولو حدث مثل ذلك وتحتاج أن ترحل من موقعك، فيجب أن تخطط مسبقاً لمعرفة طريق الرحيل من المكان، وابتعد بسرعة عن طريق الخطر.
وإذا كان هناك إمكانية حدوث فيضان لا قدر الله في منطقتك نتيجة تداعي سد أو من هطول أمطار كثيرة، وكنت تقطن خلف السد في طريق الفيضان والمياه المندفعة بشدة، فيجب عليك دائماً الاستماع للراديو والتلفزيون السعودي في أوقات شدة المطر من أجل المعلومات الطارئة، واحترس من إمكانية حدوث فيضان محلي، وانتقل حالاً إلى مناطق عالية، لا تنتظر تعليمات التحرك من قبل السلطات مثل الدفاع المدني أو الشرطة أو الإمارة، واحترس من قنوات مجاري المياه الجافة، لأنها قد تفيض فجأة في أماكن، بدون أن يكون هناك إنذار مسبق مثل وجود مطر، أو غيوم في المنطقة؛ لأنها قد تكون آتية من منطقة بعيدة عنك، فمثلاً الأمطار الكثيفة التي تسقط على مجاري السيول حول ضواحي المدينة المنورة، تتجمع كلها وتصب في مجرى وادي الرمة، والذي يسيل بشدة في بعض السنوات ويجرف كل شيء أمامه، في منطقة القصيم، وقد يتعداها إلى منطقة الخليج في الكويت والبصرة. كما تشتهر بها الوديان التي تسيل شرقا وغربا من هضبة الحجاز، وهل تصدق أن اختراق وادي الدواسر وغيره، لجبال طويق خير دليل على قوة السيول في قديم الزمان، ولا نستبعد أن تأتينا سيول جارفة في المستقبل، والغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل (لا أقول إلا خذوا حذركم).
المهم إذا كنت مضطراً لترك مكانك والبعد عن الخطر، فعليك عمل الآتي: أمن منزلك أو استراحتك، لو كان لديك الوقت، أدخل جميع الأثاث للداخل، انقل الأشياء المهمة مثل التلفزيون وغيره إلى الدور العلوي إذا وجد، واقفل جميع مفاتيح الخدمات مثل الماء والتلفون والغاز والكهرباء، واحرص أن لا تلمس الأجهزة الكهربائية لو كنت مبللاً أو تقف في الماء. أما لو اضطررت لترك منزلك أو مكانك، فتذكر أن لا تمشي في مجرى السيل في الماء المتحرك، وتذكر أن 15 سم من الماء المتحرك بشدة يمكن أن تتسبب في سقوطك، لكن لو اضطررت للمشي في السيل، فامشِ في منطقة الماء غير المتحرك إذا وجدت، واستعمل عصا أو قطعة خشب طويلة لمعرفة قوة الأرض التي أمامك، حتى لا تعلق في الوحل. كما لا تقُد سيارتك في المناطق المغمورة بالماء، وإذا ارتفع منسوب الماء حول سيارتك، فاترك السيارة وانتقل إلى منطقة مرتفعة، لو استطعت ذلك بأمان؛ لأن سيارتك يمكن أن يجرفها السيل وتصبح في خطر شديد. يا عزيزي القارئ، تذكر دائماً أن 15 سم من الماء المتحرك، يمكن أن تصل أسفل أغلب السيارات، مسببة فقدان السيطرة، وإمكانية العطل والتوقف، وتذكروا سابقاً، السيارات المتعطلة أسفل الكباري، وأن 30 سم من المياه يمكن أن تتسبب في طفو كثير من المركبات، وأن 60 سم من الماء المندفع بشدة يمكنه من حمل وتحريك أغلب المركبات.
كما يجب عليك متابعة التقارير الإخبارية بعد الفيضان لتعرف هل مياه الشرب في تمديدات شبكة المياه في منطقتك آمنة لتشربها، وتجنب مياه الفيضانات فقد تكون ملوثة بالزيت، أو الكيروسين أو مياه المجاري، وربما تكون المياه مكهربة، نتيجة اتصال الماء مع خطوط الكهرباء الأرضية. وكذلك المياه المتحركة، كما تجنب المناطق التي انحسرت عنها المياه، فالطرق قد تكون ضعفت، ويمكن أن تنهار تحت ثقل السيارة، كما ابتعد عن خطوط الكهرباء المتداعية والساقطة على الأرض، وبلغ شركة الكهرباء بسقوطها عند مشاهدتك لها، وارجع لمنزلك عندما تبلغك السلطات المحلية بذلك عندما يكون الوضع آمناً، وابتعد عن أي مبان تكون محاطة بمياه الفيضان، كما كن حذراً جداً عند دخولك بنايات تعرضت للفيضان؛ لأنه يمكن أن يكون هناك أساسات مختفية قد تضررت، ولا تنسَ أن تقوم بصيانة البيارات وغرف التفتيش، ونظم ترشيح المجاري المتضررة، لو وجدت بأسرع ما يمكن؛ لأن نظم المجاري المتضررة تكون خطراً على الصحة العامة، كما نظف وطهر أي شيء تبلل، كما أن الطمي المتبقي بعد الفيضان يمكن احتواؤه على بقايا المجاري والكيماويات.
abdulmalikalkhayal@hotmail.com