الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى تستمد أهميتها من المصدرين الأساس.. كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فقد يُثار إشكالٌ فحواه أنه لا مجال للدراسات في المجال الدعوي بحكم أن المضمون محسوم بنصوص الوحيين.
غير أنه عند التأمل نجد أن ضرورة تلك الدراسات متأكدة بحكم أن وسائل وأساليب الدعوة الإسلامية ليست محصورة في إطار ضيق أو محدد، وإنما تتكيّف بحسب ظروف وبيئة كل مكان وكل زمان تُوجد فيه، وبحسب طبيعة الأشخاص والمجتمعات المحتاجة لها.
وفي عصرنا الحاضر تطورت الأساليب والوسائل والأساليب بشكل لافت للنظر، ومحير في الغالب مما جعل مواكبة هذه التطورات السريعة والضخمة في آن واحد مسؤولية صعبة ووظيفة مهمة أُلقيت على عاتق الدعاة في عصرنا عصر العلم والتقنيات.
تميّز العمل الدعوي في أيامنا هذه بميزتين مهمتين جداً لا غنى عنهما للدعاة الذين يطمحون إلى مواكبة متطلبات العصر، هما:
الميزة الأولى: إعلاء منزلة التخطيط الدعوي وظهور ضرورته القصوى في المعاش اليومي، وترتب على ذلك لازمة مهمة جداً هي التركيز على العمل الدعوي المؤسسي.
وكان لبلادنا المملكة العربية السعودية قصب السبق في هذا المجال؛ لأنها هي رائدة الدعوة؛ بحكم خصوصيتها المكانية، حيث تحتضن قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ومقدساتهم التي لا تتم أركان إسلامهم إلا بزيارتها وإتمام مناسكهم على ثراها.. وبحكم خصوصيتها التاريخية حيث انطلقت من أرضها الدولة الإسلامية الأولى التي أسسها بوحي من الله عز وجل نبينا المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وحيث أسست الدولة السعودية المباركة على ما أسس النبي المصطفى عليه دولته.. فلذلك عنيت قيادة المملكة العربية السعودية بإنشاء المؤسسات الدعوية وتعاهدتها بالرعاية والدعم؛ كي تؤدي رسالتها الدعوية المأمولة بإتقان وفاعلية أكبر.
الميزة الثانية: التركيز على الجوانب العلمية في العمل الدعوي؛ لأن العلم هو ميزان النجاح الحقيقي، ومفتاح كل خير، وبوابة كل فلاح، وبالعلم وحده تُبنى الكيانات الراسخة لتُؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، وهو الضمانة الأكيدة لاستمرار نجاحها - بإذن الله -.
وكانت الموافقة على تأسيس الجمعية السعودية للدراسات الدعوية واحدة من الصور الباهرة في هذا الميدان المهم، وفي إطار هذا التوجه المحمود؛ لأنها صيغة مهمة من الصيغ العصرية للعمل الدعوي الناجح المثمر، ولأنها تجمع بين ميزتي العمل الدعوي الناجح، وهما مؤسسية العمل، وبناؤه على العلم الحقيقي.
والملتقى الدعوي المبارك الذي تحتضنه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ويتابعه باهتمام كبير معالي مديرها الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل، وستبدأ مناشطه وفعالياته يوم السبت 23-2-1429هـ مؤكد واقعي لمدى الرعاية التامة والاهتمام الكبير بهذه الجمعية وبأهدافها السامية ورسالتها النبيلة.
إن المؤمل أن تفي الدراسات التي ستقدم في الملتقى بتلك الأهداف وهذه الرسالة، وأن تكون ثمارها دانية لأولئك الذين سيتابعون معطياتها عبر وسائل الإعلام والتقنيات المختلفة، وأن تلامس الضرورات التي تتطلبها مقتضيات عصرنا وظروفه وتداعيات العلاقات التي تسوده بمختلف مستوياتها داخلياً وإقليمياً ودولياً.
ثم إن الأمل الأكبر - في رأيي - هو أن تتمخض هذه الدراسات عن حلول واقعية، وتصورات عملية لواقع ومستقبل العلم الدعوي تخطيطاً وتطبيقاً، بما يضمن تتالي نجاحاته وإثماره - بإذن الله عز وجل -.
وبعد الملتقى سنتطلع - يقيناً - إلى طباعة دراساته وبحوثه وأوراق عمله وتوصياته لتكون تحت مجهر التقييم والتقويم المستمر؛ لأن هذا هو المقتضى الحقيقي لمفهوم الدراسات العلمية الجادة، وأحق ميدان بجديتها الميدان الدعوي دون ريب.
هذا وبالله التوفيق.
(*) عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية.. عضو اللجنة العلمية