من الغريب والمدهش والمؤلم - معاً- أن تظهر على السطح قضية لا مبرر ولا معنى لها، تحمل دعوى غريبة، هي وضع بلاد الزلفي ضمن سدير وهما جارتان تاريخيتان لا خلاف على ذلك..!
أثار القضية بلا سبب موضوعي أو جوهري الأخ حمود بن عبدالعزيز المزيني من محافظة المجمعة في هذه الجريدة الغراء بتاريخ 15-11-1428هـ ضمن صفحة (وراق)، ثم عقب عليه الأخ فهد العبدالعزيز الكليب في نفس الجريدة العدد رقم 12782 ليعود الأخ حمود المزيني معقباً بتاريخ 5-1- 1429هـ الموافق 13-1- 2008م العدد رقم 12890 بدون أن يقدم جديداً سوى تأكيد مزاعمه السابقة.
ويثني في البداية على سدير ويورد أبياتاً من الشعر (للقتال الكلابي) تتغنى بها ولا ضير في ذلك، فسدير أحد أجزاء وطننا الغالي مثلها مثل بلد (مرات أو شقراء أو الخرج أو عسير أو الرياض وغيرها..) ونفس القول يُقال على نحو شعر الكلابي في هذا المجال، ويُمكنني أن أكتب في سدير أصف معالمها وأنفض الغبار عن تاريخها القديم والحديث أكثر مما فعل المزيني نفسه وأقدم من الشعر أكثر مما قدم هؤلاء الشعراء الذين أوردهم، ولكن للأسف لم يكن هذا هو هدفه!! وإلا فما المناسبة وما الباعث؟! ليست هذه هي نيته، ولو كان الأمر كذلك فله كل الشكر والامتنان مني قبل أهل سدير، ولكن له غاية كما يُقال ظاهرها الحق! وباطنها يعرفه هو قبل غيره، له غاية كما يقال في نفس يعقوب! غاية يُدركها من يعرف تاريخ البلدين ومن يقرأ ما بين السطور! يتجلى ذلك في الحدود الارتجالية والهلامية التي وضعها لبلاد سدير العزيزة الغالية والتي لا يقره عليها أهل سدير أنفسهم الذين يدركون تاريخ بلادهم وجغرافيتها حق الإدراك حتى شط به الخيال البعيد لنفود الثويرات العريق ولم يبق سوى (الشماسية من القصيم) لجعلها آخر حدود سدير الغربية ولم!؟ ثم ماذا حدث ليثير هذا الأمر؟! وما هي المناسبة؟ هل وقع على نص تاريخي جهل عنه علماء التاريخ أمثال الراحل الكبير (حمد الجاسر) ومؤرخ معركة (جراب) شكسبير مثلا وغيرهما؟ هل افتقدت المصادر التاريخية المعروفة شيئا أراد أن يضيفه (الكاتب) مشكوراً فجاء إلى صفحة متخصصة في جريدة الجزيرة لينشر ما نشر فيتضح أنه يلوي أعناق الحقائق ويضيع أوقات القراء ولا يقدم جديداً، وأنه حتى لم يطلع على أطلس العالم الذي يضع كل شيء في مكانه أو أنه اطلع عليه وتجاهله لأمر أو لآخر!
***
لقد أورد الأستاذ فهد بن كليب أسماء مصادر تاريخية على غاية الأهمية ولكن (المزيني) بدلاً من أن يرجع إليها - ليصل إلى الحقيقة - إن كانت مطلبه! عاب على الأخ الكليب أنه لم يستشهد ولو بسطر واحد من تلك المراجع! وبذلك فإن (المزيني) ينطبق عليه المثل الذي يقول: (رمتني بدائها وانسلت) فهو لم يذكر من جهته سطراً واحداً من مضامين المراجع التي أوردها في مقاله! بل أورد كلمات مرسلة وسطوراً لا قيمة لها في علم التاريخ! إن التاريخ لا يُكتب بالافتراض ولا يضم بلداً إلى آخر بالرغبات ولا بالمزاج!
***
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الكاتب المزيني هو صاحب الدعوى بأن بلاد الزلفي تتبع بلاد سدير! فعليه أن يثبت هذا ومصادر ذكرها ولم يورد نصاً منها كما قلت، وسوف أفند دعواه هذه كما سوف أعرج على ما بقي من مقاله، ولكن قبل ذلك أشير إلى أنه أسقط من مراجعه معجم اليمامة للشيخ عبدالله بن خميس فلم يذكر منه سوى سطر واحد ولم يكمل! ولكن قبل ذلك أعيد إلى ذاكرته أن التاريخ لم ينس، كما أن أبناء المملكة لن ينسوا أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- اختار (روضة السبلة) في الزلفي لمعركة فاصلة بينه وبين آخر مناوئيه نحو توحيد هذه المملكة الفتية و(السبلة) في الزلفي والملك عبدالعزيز -رحمه الله- يعرف أن روضة السبلة في الزلفي وليست في سدير ولم يخطر في باله لحظة واحدة أن شخصاً اسمه (حمود بن عبدالعزيز المزيني) سيأتي يوماً ويلحقها بسدير بجرة قلم ومن عندياته، ومن المشهود أن الملك عبدالعزيز تقديراً منه لوقفة أهل الزلفي في هذه المعركة المشهودة والفاصلة فقد أوصى أولاده بهم خيراً ووصيته موجودة ومصانة، وحينما زار أبناء الملك عبدالعزيز ملوك هذه البلاد ابتداء من الملك سعود -رحمه الله- بلاد الزلفي فإنهم زاروه لأنه الزلفي وليس لأنه سدير وإلا لاكتفوا بزيارة المجمعة -حديثة النشوء- قاعدة سدير ووفروا عليهم المشقة والوقت (فهم ملوك) لأن هدفهم من الزيارة أن يلتقوا بأبناء شعبهم ويكتفوا بممثليهم في هذه الحالة وأهالي الزلفي ضمنهم -نفترض جدلاً- في المجمعة ولا داعي لشيء بعد ذلك!
والأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الذي زار الزلفي أخيراً يعلم بلا شك قبل غيره إلى أين ذهب ولماذا ذهب ولماذا لم يكتفِ بالمجمعة قاعدة سدير!!
***
ثم...
أضيف...
وأثبت أمام عينيه وأرجو أن يستقر في قلبه (وكلي أمل بذلك) الحقائق التالية التي لا تراجع عنها إن شاء الله تعالى:
أولاً: مهما قال الشعراء من أمثال إبراهيم بن جعيثن أو غيره فهي ليست وثائق تاريخية لإدخال بلد في نطاق بلد، فهي خواطر ومشاعر طيبة لا غبار عليها!
ثانياً: وثيقة القاضي الشيخ محمد بن عثمان بن عيسى -رحمه الله- فهي من حيث المبدأ حديثة 1298هـ هذا أولاً، وتاريخ الزلفي وغيره يحسب بالقرون وليس بالسنوات، وثانياً أن القاضي لا تحمل ذمته وزر تاريخ، ومنهجيته معروفة للقاصي والداني فلا يضاف إليها ما لا يدخل فيها.. فإذا تضمنت وثيقته أو صكه الشرعي أن (الزلفي والغاط من قرى سدير) فلا يعني الأمر كذلك، فالقاضي ليس مؤرخاً كذلك فربما كان بمجلسه -رحمه الله- من هو مثل المزيني مصاب بعقدة التعصب الإقليمي فتأثر به بحسن نية بما لا يغير في جسم القضاء شيئا وهو المهم من الناحية الشرعية. إذ التاريخ قد كتب قبل هذا القاضي رحمه الله بقرون!
ثالثاً: كل المراجع التي ذكرت في مقالك يا أخ حمود (معجم اليمامة) للشيخ بن خميس:
- تاريخ عثمان بن بشر.
- حسين بن غنام... وغيرهما.
- وثائق من القرن الثاني عشر الهجري، لم تقدم من نصوصها ما يفيد بشيء بقدر ما عبت على فهد الكليب أنه أشار إلى مراجع ولا يستشهد ولو بسطر واحد منها!
وحين عبت على الكليب هذا الأمر قلت مستغرباً الجملة التالية (على ما يذكر) أي أنك شككت فيها ثم وضعت عدة علامات استفهام وتعجب هكذا؟؟!! سبحان الله العظيم والله أكبر! هل تريد البصم على الافتراءات؟ وإلا سوف تتساءل وتتعجب! ولو كان معك 1% فقط لقلنا لعل الرجل يبحث ليستكمل الباقي 99% ولكن مع الأسف لا تملك من أوراق الإثبات سوى الصفر.
رابعاً: إن كلمة منطقة دلالة رمزية على المكان ولا تعني مزايا رفعة شأن لبلد على آخر إلا بالتنظيم الإداري المناطقي، وأن اختزال (الزلفي) بمحافظة -شيء ملحوظ- رغم تفوقه بعدد سكانه وعدد قراه ومدارسه وشعابه وأوديته التي نسيت منها وادي سمنان، إذ لم تلحقه بسدير بينما وادي مرخ ألحقته بتلك البلاد!! عفا الله عنك.!
***
وأخيراً - وليس آخراً - في مناسبة جمعتني مع الشيخ الراحل أستاذ الجيل وعلامة الجزيرة العربية (حمد الجاسر) دار الحديث حول الزلفي وموقعه في التاريخ فتحدث بإسهاب حوله وحول مسماه وهو -حديث طويل بل وثري لا يسمح المجال بإيراده- ولكنه أشار إلى المؤرخ الشهير (شكسبير) الذي أرخ لمعركة (جراب) الشهيرة التي أشار المزيني إلى أن الملك فيصل - رحمه الله- قد قرر أن تكون هجرة، فقد نقل الجاسر عن شكسبير قوله ومؤكداً هذا القول أن الزلفي بوابة نجد الشمالية ولم يقل بوابة سدير، إذ سدير تسبق الزلفي جغرافياً إلى الرياض وغيرها والعكس بالعكس، ومذكرات شكسبير التي تحمل هذا التأكيد موجودة لدى أرامكو ولم يقل شكسبير أو الجاسر أنها جزء من سدير ولم يخطر في بالهما هذا قط، والقصد بذلك أنها ملتقى طرق حيوي لا مثيل له فكل الاتجاهات تقود منه إلى نجد وإلى الكويت وإلى الشمال كحفر الباطن ورفحاء وحقل والقيصومة ...إلخ، وإلى القصيم وإلى المدينة المنورة ...إلخ.
***
وللزلفي شهرة واسعة بفعل رحلات أبنائه التي وصلوا بها آفاق الدنيا فحتى على صعيد مصر تجدهم هناك وفي مرحلة الجمالة كانوا مبرزين، كانوا يحملون الأرزاق والعتاد ويقدمون المؤن إلى كل مدن المملكة من الزبير والأحساء إلى الكويت ومن البحرين إلى الرياض والقصيم ...إلخ كما قلت لشتى مدن المملكة قبل أن تتوحد، وكانوا بمثابة الخط الثاني في معارك الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أينما كان.. كانوا مع إخوانهم من أبناء المملكة لا يغيبون عن معركة يقاتلون ويجاهدون مع المؤسس -رحمه الله- ليكون هذا الكيان قائماً كما هو الآن.
والله المستعان...
محمد عبدالله الطيَّار
الوراق : بهذا التعقيب نكتفي بما نشر عن هذا الموضوع، ونعتذر عن عدم نشر أي ردود قد تأتي للصحيفة.