حجم ردود الفعل التي تأتيني على أحد المقالات تغريني دوماً بإعادة طرح الموضوع وتناوله من نواحي جديدة، أو على الأقل نقل بعض من الآراء التي وصلتني حوله أو الآراء (التي أعتقد أنها منطقية).
فحينما طرحت موضوع تقاعد العاملات في المجال التعليمي (بكامل الراتب) كحل لكثير من الإشكاليات القائمة على أرض الواقع، وبهدف ضخ دماء جديدة في الميدان الذي يعاني من الكثير من المعوقات فيما يتعلق بإدراج البرامج التطويرية، ازدحم بريدي بالرسائل التي هي بالتأكيد تحيلني إلى طبيعة العلاقة التي تعاني الكثير من التأزم، بين من هن على رأس العمل ويرغبن في الحصول على التقاعد بكامل الراتب وإفساح المجال لسواهن، والميدان الذي يئن ويشكو من حاجته إلى دماء جديدة تستوعب برامجه التطويرية من خلال الخريجات التي تتوالى عليهن السنون بلا وظائف، أو بالكاد ينلن وظيفة على مراتب متدنية جداً عما يفترض أن يعينّ عليه كحاملات شهادات جامعية.
هناك بدهية معروفة في علم الإدارة، تؤكد على أن سنين الخبرة لا تقاس بعدد سنوات العمل، فمن الممكن أن يكرر الموظف الخبرة التي كان يمارسها في عامه الأول في الوظيفة إلى ما لا نهاية دون تطوير ذاتي أو إضافة، فيصبح تواجده في نطاق العمل مجرد ركام من السنين، على حين أن الخبرة الحقيقية تقاس بالبرامج والدورات والخبرات التطويرية التي انخرط بها وخضع لها من هو على رأس العمل.
ونعود هنا إلى عنق الزجاجة فبحسب إحصائية قدمت في منتدى الرياض الاقتصادي عام (2005) نجد أن نطاق التعليم يستوعب ما يقارب 84% من النساء العاملات في المملكة، هذه النسبة الهائلة عندما نقارنها بالإحصائيات التي أعلن عنها وزير العمل مؤخراً في مجلس الشورى وتناقلتها وسائل الإعلام، تشير إلى أن (25%) من النساء في السعودية يعانين من البطالة، وهذه النسبة الكبيرة بالتأكيد مؤشر واضح على أن هناك أزمة فادحة فيما يتعلق بعمل المرأة، وتعكس أبعاد الهدر والتعطيل للخطط التنموية التي بذلت الكثير فيما يتعلق بتعليمها، لينتهي الأمر بآلاف الخريجات كملف مهمل يعلوه الغبار.
من الآراء المهمة التي وصلتني تشير إلى أن تقاعد عدد من هن على رأس العمل بجعل التقاعد المبكر (15) عاماً والتقاعد بكامل الراتب بعد (20) عاماً من الخدمة, لن يوفر للميدان التعليمي دماء جديدة وشابة فقط، بل سيمد أيضاً القطاع الخاص بالعديد من الفرص من أولئك اللواتي تقاعدن وسيحاولن استثمار أموالهن بعدد من المشروعات الصغيرة التي من الممكن أن تدعم الاقتصاد المحلي.
أيضاً أشارت بعض الرسائل إلى تضخم الطواقم الإدارية في الكثير من القطاعات التعليمية (البطالة المقنعة) على حساب العمل والإنتاجية.
أيضاً وصلتني رسالة من فتاة تحمل شهادة تربوية وتقول (أقبل العمل الآن في أي مكان (بنك مستشفى) فثلاث سنوات من البطالة مهلكة أريد أي إنقاذ لي من البطالة) بالطبع هذه الفتاة ستكون رقماً مهدراً ضمن آلاف الأرقام المهدرة التي تدربن على أساس أن يكن تربويات ولم يجدن مجالاً مناسباً لهن.
القضية.... عنق الزجاجة باتت تمثل مأزقاً حقيقياً لسوق العمل، وبالتالي هذا المشهد يعيد إحالتنا إلى ملف أنظمة التقاعد الخاصة بالمرأة، والذي يتنقل هذه الأيام ببطء شديد تحت قبة مجلس الشورى.