الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد ظهرت ظاهرة سيئة في هذا الوقت وهي الإرجاف والإخبار عن الحوادث المستقبلة من المطر والبرد استنادا إلى ظن وتخمين: {إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } { فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ} والإخبار عن المستقبل لا يخلو من أحوال إما أن يكون صادرا عن نبي من أنبياء الله أطلعه الله على شيء من الغيب معجزة له ولأجل مصلحة البشر كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} فالنبي لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه. قال سبحانه عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}.
وإما أن يكون الإخبار عن المستقبل صادرا عن كاهن يعتمد على إخبار الشياطين له فيما يطلعون عليه مما لا يطلع عليه البشر من الأشياء الغائبة عن الناس. أو يعتمد على استراق السمع من السماء ويكذب معه كذبا كثيرا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إتيان الكهان وتصديقهم قال صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).
وإما أن يكون الإخبار عن المستقبل صادر عن التنجيم الذي هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -. وهذا من عمل أهل الجاهلية وقد جاء الإسلام بإبطاله والنهي عنه. ومن ذلك ما ينشر في بعض المجلات من معرفة الحظ النحس استدلالا بما يقع في الأبراج من ولادة أو سفر أو نحو ذلك من الأكاذيب والشعوذات.
وعلم الفلك إنما يباح منه ما يتعلق بالحساب ومعرفة المواقيت فقط وهو ما يسمى بعلم التسيير. والنوع الأول يسمى علم التأثير وهو محرم لأنه من ادعاء علم الغيب ومن ادعى علم الغيب فقد ارتد عن الإسلام كما ذكر ذلك أهل العلم الذين ألفوا في بيان نواقض الإسلام. وأما توقع حصول المطر أو حصول البرد بناء على علامات تظهر في الجو وتدرك بآلات الرصد المعروفة لا بالحساب وعلم الفلك فهذا إذا كان يخبر به على سبيل الجزم فهو لا يجوز. وأما إذا كان يخبر به على سبيل التوقع من غير جزم فلا بأس به وتركه أحسن وأسلم لئلا يوهم العوام أنه من علم الغيب. وقد حصل أن أناسا يدعون معرفة علم الفلك والحساب أرهبوا الناس بقولهم إنه سيحصل مطر وغرق أو سيحصل برد شديد وصقيع على سبيل الجزم فلم يحصل شيء من ذلك وتكرر هذا مرارا وأكذب الله ظنهم. فالواجب الحذر من هذه الظاهرة الخطيرة حماية لعقائد المسلمين من الخلل والاهتزاز.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عضو هيئة كبار العلماء