يتجلى شرف مهنة التعليم ونبلها من كونها تتعامل مع الإنسان، الإنسان الذي كرمه الله وفضله على سائر المخلوقات، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70)سورة الإسراء. |
ويبدو تكريم الله لبني آدم وتفضيله لهم في أوجه عديدة، يأتي في مقدمتها، (العقل، والوجدان)، ولهذين المكونين دور رئيس في كل ما يصدر عن الإنسان من سلوكات، تبدو في أعماله وأقواله، وكل أوجه علاقاته مع الكون وما يحويه من بشر وحيوان وجماد. |
فالعقل يضبط الإدراك ويتحكم فيه، من خلال تحليل المثيرات التي تنتقل عبر منافذ الإحساس إلى مراكز الإدراك في المخ، فيحولها من رموز ومجردات، إلى معان ومحسوسات، وذلك حسب نضج عمليات التحليل وقدراتها، عندئذ تتحول المثيرات إلى مفاهيم ومعاني، (مدركات) ويختلف المرء نفسه في التعامل مع هذه المدركات من ظرف لآخر، حسب حالته النفسية والانطباعية والمزاجية (الوجدانية) التي كونها عن هذه المدركات، كما يختلف الناس عن بعضهم في التعامل مع هذه المدركات وذلك حسب مستوى القدرة العقلية التي حللت المثير وحولته إلى معنى معين، ومن هنا يتفاوت الناس في إدراكهم للمعطيات والمثيرات التي يتعرضون لها، ولهذا تتعدد الأفهام للمثير الواحد، سواء على مستوى الفرد نفسه، أو على مستوى الجماعة من الناس، ولا يقتصر الأمر عند هذا، بل يتعداه إلى طريقة التعامل مع المثير وكيفيتها، فبينما تجد المرء يتعامل مع مثير ما بإيجابية في موقف معين، تجده يتعامل بسلبية مع المثير نفسه لكن في موقف آخر أو زمان آخر، وكذا الحال مع (الجماعة) من الناس، فبينما تتعامل جماعة ما مع مثير ما بدرجة إيجابية، تتعامل جماعة أخرى مع المثير نفسه بسلبية. |
وفي كلتا الحالتين، على مستوى الفرد أم الجماعة، فالذي يصنع الفرق ويتحكم في ردود الأفعال الإيجابية والسلبية، هي (الوجدانات)، وهي جملة المشاعر التي تنشأ عن المثير، فبقدر ما تكون نبيلة وسارة، مبهجة مسعدة، بقدر ما يكون السلوك (الاستجابة) التي تصاحب المثير إيجابية، وبقدر ما تكون المشاعر محبطة منفرة، كئيبة محزنة، بقدر ما يكون السلوك (الاستجابة) التي تصاحب المثير سلبية، لهذا ومن أجل تكوين سلوكات إيجابية لدى الطلاب، تتأصل فيهم وتبقى راسخة في كل مكوناتهم، لا بد للمعلم من (التركيز على الانطباعات والمشاعر، فقد ينسى طلابنا كثيرا مما نقوله لهم، لكنهم سيذكرون دائما المشاعر الجميلة التي كنا نثيرها في نفوسهم). |
لذا أخي المعلم الكريم احرص على التعامل الإيجابي مع الطلاب، احرص على أن تنظر دائما إلى المكون الناجح في سلوكات طلابك، أبرزه وشجع عليه، أكد نجاحاتهم، وتغافل عن هناتهم البسيطة، لكن لا تغفل عنها، ناقشها في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب، فبهذا النهج تضمن مكانة راسخة في عقولهم، لأنك لامست واجداناتهم، وعززت النجاحات في سلوكهم، وأكدتها بالثناء عليها والإشادة بها ومدحها، فالمدح يدغدغ العقول ويسيطر عليها، يقول أحمد شوقي: |
رب مدح أذاع في الناس فضلا |
وأتاهم بقدوة ومثال |
وثناء على فتى عم قوما |
قيمة العقد حسن بعض اللآلي |
أجزم أنه لو استعرض كل منا الآن معلميه، لوجد أن الذي بقي منهم حيا خالدا في ذاكرته هو ذاك الذي تملك المشاعر والوجدانات، بلطفه وحسن تعامله وعطفه وعدله، وتأكيده على النجاحات والأفعال الحميدة ومدحها بحسن الكلام، ولطيف الفعال. |
إن المواقف التعليمية بأمس الحاجة إلى أمثال هؤلاء المعلمين، بارك الله فيهم ونفع بهم. |
|