«الجزيرة» - عبد الرحمن السهلي
يقول المحاسبون: إن القوائم المالية تروي قصة.. ولعل من القصص التي ترويها لنا القوائم المالية للبنوك السعودية عن عام 2007م وجود تباين واضح في السياسات الائتمانية بينها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال إلقاء نظرة مقارنة بين رصيد مخصص خسائر الائتمان وبين رأس مال البنك، حيث نجد في أحد البنوك على سبيل المثال أن رصيداً مخصصاً لخسائر الائتمان بلغ خمس رأس المال بينما في بنوك أخرى لم يتجاوز رصيد هذا المخصص الواحد في المائة.
وأدى تراجع أرباح البنوك السعودية خلال عام 2007م وتحقيق بعضها لخسائر خلال الربع الأخير من العام على الرغم من النمو والازدهار الذي يمر به الاقتصاد السعودي إلى إثارة مخاوف المستثمرين من استمرار هذا الأداء السلبي خلال الربع الأول مما دفع مؤشر السوق المالية للتراجع في حدود ألفي نقطة.
وأوضح الدكتور عبد الرحمن الحميد أستاذ المحاسبة والمراجعة بجامعة الملك سعود ل(الجزيرة): إن عام 2006م كان عاماً استثنائياً لجميع البنوك السعودية، حيث حققت فيه أرباحاً قياسية أتت من المتاجرة في سوق الأسهم وكذلك تحقيق عمولات عالية من أعمال الوساطة المالية بالإضافة إلى التوسع في الإقراض وبالتالي يمكننا القول بأن الصناعة البنكية وقعت في مأزق، حيث تم مقارنة أدائها في عام 2007م بأدائها الاستثنائي في عام 2006 م الذي تزامن مع اثر انهيار سوق الأسهم بشكل كبير على ربحية البنوك وانخفاض أرباحها من عمليات الوساطة المالية.
وحول أزمة الائتمان العالمية وأثرها في بناء السياسة الائتمانية في البنوك المحلية أوضح الدكتور الحميد أن التنافس المحموم بين البنوك العالمية لخدمة العملاء وإقراضهم أثرت على تقديرها لمخاطر الإقراض (الائتمان) مما أدى لنشوء الأزمة، فالبنوك تستثمر أموالها وفق نسب مخاطر محسوبة بدقة والمنافسة الشديدة لكسب العملاء أدى إلى تقليل معدل المخاطرة المقبول على حساب التوسع في الإقراض وبالتالي أصبحت قرارات الإقراض تتخذ من قبل مسوقي القروض دون قياس دقيق وفحص لمخاطر الائتمان وذلك بسبب الضغوط التي تواجهها إدارات البنوك من الملاك لتحقيق نتائج أفضل.
وأضاف الحميد أن ضغوط النتائج القياسية لعام 2006م على إدارات البنوك المحلية قد تؤدي إلى عدم تقدير مخاطر الإقراض بشكل دقيق في سبيل تحقيق معدلات إقراض عالية خصوصا مع تراجع أرباح سوق الأسهم وعمولاته ووجود سيولة عالية لدى البنوك لابد من استثمارها.
واختتم الدكتور الحميد تصريحه بتوضيح أن شذوذ البنوك العالمية عن النموذج الكلاسيكي للائتمان الذي يتخذ فيه قرار الإقراض بعد حساب دقيق للمخاطر أدي لحدوث أزمة الرهن العقاري، وان محاولة البنوك العالمية الحالية للرجوع لتطبيق هذا النموذج الكلاسيكي سيؤدي بشكل حتمي إلى الركود الاقتصادي.
وكانت أرباح جميع البنوك المحلية قد تراجعت في عام 2007م عدا بنك الرياض الذي حقق نسبة نمو تبلغ 4%، كما حققت بعض البنك خسائر خلال الربع الأخير من 2007م، مما أدى إلى مخاوف المستثمرين حول الوضع الائتماني لبعض البنوك التي لديها مخصصات خسائر ائتمان كبيرة.
جدير بالذكر أن الأشهر الماضية شهدت تغييرات كبيرة على مستوى الإدارات العليا في ثلاثة بنوك محلية.
من جانب آخر انضمت مؤخراً بنوك كريدي سويس وباركليز ونورذرن روك الأوروبية إلى قائمة البنوك المتورطة في أزمة القروض العقارية الأمريكية التي قدر صندوق النقد الدولي خسائر المصارف بسببها حتى الآن بنحو 400 مليار دولار.