لا أدل على وجود (فرق موت ثقافي)، تمتهن عزل العراق عن الثقافة العربية والإسلامية، وصارت اخطر من فرق الموت المعروفة في شوارعنا التي خزنت في ذاكراتها مئات الألوف من ضحاياها الأبرياء، إلا سكوت وتغاضي من نالوا القاب مسؤولين كبارا في حكومتنا (الديمقراطية)، من العمّة الإيرانية في الجنوب إلى العمّة الكردية في الشمال، ودلالة هروب معظم مثقفينا، عربا (شيعة وسنة) واكرادا وتركمان ومسيحيين، من بطش فرق تخصصت في قتل المثقفين العراقيين الحقيقيين والثقافة العراقية المعاصرة لاستبدالها بثقافة عنصرية فريدة في دمويتها.
وليس (خوفا)، كما يظن البعض، من المسؤولين (الكبار) في حكومتنا تلك من هذه الفرق، ولا عجزا أو تعاجزا من معالجتها علنا أو سرا، وانما هو تواطؤ موثق على شراكة باتت فضيحتها تفوق فضيحة وراثية لعنز تعرض عوراتها في الأسواق دون تردد، لأن هؤلاء تعاقدوا، سرا وعلنا، مع شاريين للعراق في آن: أمريكا وإيران، اثبتا أن اهمّ اجنداتهما (الثقافية) في البضاعة المشتراة، العراق، هو تغريبها عن اصلها وعن بيئتها واجتثاث تأريخها اينما وكلما ذكر، فمنعت اللغة والأسماء العربية في الشمال، وصارت اللغة الفارسية لغة (التباهي) الطائفي العرقي على العراقيين العرب في الجنوب.
وإذا كانت فضيحة كتاب عراقيين، مجّدوا منجزات الاحتلال المركب الأمريكي الإيراني مقابل (300) دولار عن كل مقالة تشيد بمقتل ما يقارب المليون من عرب العراق وتشريد ما يقارب من خمسة ملايين منهم داخل وخارج البلد في اقل من خمس سنوات (ديمقراطيات) جاءت هبة من (هدية الله) لحمقاه - حسب وصف جلال الطالباني لبوش - وتحت تهم باتت مضحكة، رغم مرثاويتها، مثل: بعثيين صداميين، وإسلاميين متشددين، ووهابيين، وغير ذلك من اوصاف سقطت على اكثر من (70) ألف معتقل من العرب السنة بدون تهمة مثبتة، فقد بهتت فضيحة قابضي ثمن مقالاتهم من أمريكا وإيران امام فضائح اكبر واعمق اثرا منها، لا بل واخطر.
ما لا يقل عن (7000) مسلح، إيراني النسب لا احد يعرف حتى اسمائهم الحقيقية الكاملة، يسيطرون الآن على (الأمانة العامّة للروضتين الحسينية) المسؤولة عن مرقدي الإمامين الحسين والعباس في كربلاء، وقد حولوا بعض غرف المرقدين مع البيوت المجاورة إلى مراكز اعتقال وتعذيب ومخازن اسلحة. ويرأس هؤلاء شخصان احدهما معروف باسم (افضل) والثاني (ابو دكة)، وكلاهما إيرانيان!! حسب مصادر كربلاء نفسها، ومصادر الوقف الشيعي العراقي نفسه.
وكأنها نكتة سمجة تلقى، صرّح احمد الحسيني عضو مجلس محافظة كربلاء، رئيس لجنة الأوقاف والسياحة الدينية: (نحن لا نعلم اين تذهب اموال الحضرتين الحسينية والعباسية)، فيما صرحت مصادر شيعية: (الوقف الشيعي لا علاقة له حاليا بجمع النذور والهبات، وان عناصر حماية الروضتين تنفذ هذه المهمة دون رقابة)!! وذكرت معظم المصادر ان: (واردات الحضرتين تصل إلى ما بين ثلاثة إلى اربعة مليارات دولار عدا الهبات والهدايا العينية) وان هذه الميليشيا تسيطر على مدخولات الروضتين (منذ اربع سنوات) وتمول نفسها من واردات مرقدين عربيين ضد عرب العراق وعرب الجوار في آن!!.
وعندما نضع ما يجري في ضرائح دينية عربية عراقية، لا يمكن لأحد أن يجادل في نسبها، ازاء ما هو غير ديني مثل تفجير تمثال الخليفة المنصور بالله باني بغداد، وخطف تمثال الشاعر العبقري المتنبي بحجة ترميمه ولم يظهر، ولن يظهر، ومحو كل التسميات العربية ذات الدلالة على اصل العراق العربي واعتزازه بتاريخة الإسلامي العربي في جنوب البلد، بالتزامن والتجايل مع ما جرى وما يجري في الشمال الذي حرّم تداول اللغة العربية في مخاطباته، وبات العربي من العراق يحتاج إلى كفيل كردي واذن اقامة من (البيش مركة)!!
وازاء ظاهرة التكلم باللغة الفارسية في البصرة (تفاخرا) على عربها، وازاء (البطولة) في احتقار اللغة العربية في الشمال، نضع انفسنا كعراقيين شاء الله لنا ان نولد عربا على مقربة (شبر واحد) من الاعتراف (وبالقوة) بأن الإمام علي، وولديه الحسن والحسين، رضوان الله عليهم، من اصل فارسي، على دلالة التثقيف الجاري في كل مفاصل الثقافة الرسمية ان: (آل البيت) لابد أن يكونوا فرسا إيرانيين ليحترموا ويبجلوا وتقبل اياديهم واقفيتهم في العراق!! وبتنا على مسافة (اصبعين) من الاعتراف بأن (بيش مركة) الطالباني والبرزاني ينحدرون من نسل بنى تأريخ العراق مذ نزل به (آدم) عليه السلام حتى اليوم الذي نزلت فيه (هدية الله) لحمقاه على حماقة الاحتلال!!.
وإذا كانت مواقع (فرق الموت الثقافي) تضع اصابعنا على اوكار حواضن خرائط سرطان العنصرية المركّبة ومنابت التفتيت في العراق وفي دول الجوار العراقي بشكل خاص. فإن السؤال الدي يفرض نفسه هو: متى تضع الأمة العربية جهاز مناعة من امراض الثقافة العنصرية المعدية؟!.
روائي وصحفي عراقي
jarrseef@yahoo.com