المتابع لمحطات البث الفضائي العربي يدرك تماماً حجم الانحدار وهول الفوضى الخلاقة اللذين يرافقان ما تبثه الكثير من هذه المحطات سعياً منها لاجتذاب أكبر عدد من المشاهدين والمتفاعلين معها من خلال تركيزها على الاتجار بالمرأة، وتوجيه برامجها لدغدغة مكامن الغرائز - وهذا ليس بغريب - في زمن تلاشت فيه سلطة القانون وحلت مكانها سلطة المال وازدهرت فيه المصالح التجارية الضيقة على مصالح الشعوب والأوطان!
وفي سباق محموم بين ما يسمى بقنوات (الزواج والمسيار) التي انتشرت انتشار النار في الهشيم واعتمدت على المرأة وقوداً لها، هدفها في ذلك الكسب غير المشروع من خلال الاستثمار في المرأة بقيام هذه المحطات بعرض مواصفات لمن تدعي أنهن نساء طالبات للزواج شكلت المرأة السعودية ما يزيد على 90% من التواجد على شاشاتها -كما تظهره هذه القنوات - حيث لا يستطيع المتابع التكهن أصلاً، أن هذا الرقم الموجود على الشاشة أهو لرجل أو امرأة أم (رقم) في زمن غدا فيه المواطن العربي (رقماً) على حد قول أحدهم - يخفي من خلفه غاية في نفس يعقوب تحقق لهذه القناة مزيداً من المال الحرام.
كنت قد كتبت في غير مكان من هذه الصحيفة عن قنوات البث الفضائي وتساءلت وقتها عن قوانين تنظيم عمل هذا البث، ولماذا الاكتفاء فقط بمواثيق الشرف الذي غاب عن كثير من القائمين على هذه المحطات، وتساءلت أيضاً: أيهما أخطر وأكثر انتشاراً؛ الإعلام المقروء أم المرئي والمسموع؟ ولماذا تلزم هذه فيما يترك الحبل على الغارب لتلك تعربد في عقول أبنائنا؟!
في اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب الذي عقد مؤخراً في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، أقرت وثيقة المبادئ والأطر المقترحة لتنظيم البث والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني عبر الفضاء في المنطقة العربية، وتضمنت ضوابط جديدة تلتزم بها جميع المحطات الفضائية العربية وتلزم المحطات والدول مانحة التراخيص دون استثناء للمناطق الحرة، وفرض عقوبات في حال مخالفة بنود الوثيقة تصل لإلغاء الترخيص نهائياً.
ونصت الوثيقة في البند الرابع على علانية وشفافية المعلومات وحماية حق الجمهور في الحصول على المعلومة السليمة، وكذلك على حماية حقوق ومصالح متلقي خدمات البث وعدم التأثير سلباً على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة. وهذا ما لا يتوافر في قنوات (الزواج والمسيار).
قادني الفضول الإعلامي إلى أن أكون نزيل إحدى هذه القنوات لفترة، أيقنت بعدها أن هذه القناة - ولا أستبعد غيرها - تتلاعب بالمشاهدين، وتأكدت بأنها لا تملك عبارات الصدق، وكل ما تسعى إليه هو الكسب غير المشروع من خلال تركيزها على مكامن الغريزة في النفوس وامتهان المرأة وعرضها للبيع!!
وبات جلياً أن ما تعرضه هذه القناة وغيرها من مواصفات تدعي هذه القنوات بأنها لامرأة طالبة الزواج، ما هي إلا محض افتراء على المرأة وإساءة متعمدة لها، هدفها استدراج الرجال إلى فخ نصب بإحكام..!
يتزامن نشر هذا المقال مع تقرير بعنوان: (قنوات الزواج.. فخ ينتظر فريسته) سجلت فيه خلاصة تجربتي التي قضيتها نزيلاً في إحدى القنوات التي تدعي بأنها تنشد العفة والعفاف وتوفق بالحلال بين طالبي الزواج من الجنسين هذا التقرير منشور اليوم في مجلة الجزيرة التي توزع هدية مع صحيفة الجزيرة كل ثلاثاء.