التكافل واحد من أشمل المصطلحات اللغوية ذات الدلالة الإنسانية، تلك التي تشمل التعاضد والتكاتف والالتفاف والإيثار والعطاء عند الإحساس بحاجة الآخر، كما تمتد إلى مفهوم التعاون في أوسع نطاق لا يقف عند حد الشعور بالآخر بل السعي له والوقوف بجواره ومساندته وشد أزره، ولعله يتسع أكثر ليكون البعيد قريبا، والجار من الأهل، والصاحب في المعية والمحتاج ضمن الرعية...
التكافل عطاء بأريحية وبذل برضاء ومنح بلا منَّة، ووقوف بلا تذمر وركض دون تأخر... التكافل يد تمنح ما لا تراه الأخرى، وفكر لا يغفل حتى في أشد لحظات الانخراط في أمور الخاصة لتكون أمور الآخرين ضمنها...
كلمة واحدة مشتقة من فعل ماض هو( كفل)... ولو وفرنا على أنفسنا التفكر في بقية الكلمات المكونة منه ووقفنا عند زمنه لأوغلنا في مداه حيث ينبثق من شعور مكون في جوهره على استتباب بذرة الفعل في طبيعة تركيب الشخص الإنسان؛ بحيث - تلقائيا - يتصدى لكفالة الناس، ويعمل على التكافل معهم ويسعى لذلك بفطرة... فكيف إن أُخضِع كل هذا فيه لمفهوم التكافل في شروط العلائق بين الإنسان والآخر في منهج التعامل الإيماني..؟ لامتزجت الطبيعة بالمعرفة... والأداء بالهدف... والعمل بالنية...
في ضوء ذلك تتهيأ للمجتمع البشري عناصر التلاؤم والأمان...
فليس الأمان إلا نتيجة جوهرية للتكافل... كما أن التلاؤم صورة من أبهج صور التكافل...
إن هذا المصطلح بدلالاته الوثيقة بسلوك الإنسان في الجماعة وأثره في الأفراد بعينهم أو بجملتهم عند تطبيقه تقاس أخلاق الناس بمثل ما تقاس صحة العلاقات التي تسود أفراد المجتمع البشري وجماعاته على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم...
وأجمل صور التكافل في المجتمع تلك التي يسلك فيها المرء لإصلاح ذات البين بين الناس... وحل المشكلات الفردية... والتوفيق بين الأزواج حين الشجار والفرقة... وإصلاح العلائق بين الجيران والصحب وزملاء العمل... وتقريب أفراد الأسر المتشاحنة... ومد يد العون للمحتاج بما في ذلك الدعم المادي، وإقالة عثرات الحياة وتفريج الكرب المعاشية... والهدي إلى سبل السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وفي مجتمعنا الخير - بإذن الله - هناك صور كثيرة لهذا التكافل مما يأتي...
(يتبع)